تبدو هذه المحطة عادية مثل غيرها من محطات التزود بالوقود، خاصة وأنه يعلوها شعار شركة "شل"، وهي تقف في طرف هذا السوق التجاري المواجه لطريق المرور السريع بمدينة "ريكيافيك" في آيسلندا. غير أن هذه المحطة ترمز في حقيقة الأمر إلى أحد أكثر المشروعات الآيسلندية طموحاً. ولذلك فقد قصد منها أن تكون محطة وقوف إجباري لكبار الشخصيات الأجنبية الزائرة للبلاد، لكونها تقدم لمحة سريعة لهم عما قد يكون عليه مستقبل النقل البشري. وفيها لا وجود للجازولين أو البنزين، إنما تزود فيها السيارات بأول إنتاج تجاري من نوعه لغاز الهيدروجين. وعليه فهي أول محطة عالمية لتزويد السيارات تجارياً بهذا الغاز. وعند وصولك إليها فما عليك إلا أن تسحب بطاقتك الائتمانية في الفتحة المخصصة لها في الماكينة، وتصل الخرطوم الموصل للوقود بسيارتك، حتى تجد نفسك وقد عدت لاستئناف رحلتك مرة أخرى بعد خمس دقائق فحسب، شريطة أن تكون سيارتك من تلك التي تعمل بدفع غاز الهيدروجين. وتتميز سيارتك عن غيرها بأنها تعمل بطاقة خالية تماماً من انبعاثات الكربون وغيره من الغازات الأخرى الملوثة للغلاف الجوي. أما مصدر هذه الطاقة الجديدة، فهو المحطة نفسها التي يتم فيها إنتاج الطاقة من الماء والكهرباء. بهذا المعنى فأنت تقود سيارة خضراء جديدة تماماً لا يخرج من عادمها سوى الماء. ذلك هو تعليق "جون بجورن سكولاسون" مدير عام "شركة الطاقة الآيسلندية الجديدة"، الذي يقود واحدة من بين 14 سيارة هيدروجينية بدأت تجوب شوارع العاصمة ريكيافيك. واستكمل "سكولاسون" تعليقه بالقول: "وفيما لو نجحنا في استكمال وتنفيذ خططنا، فسوف نكون مجتمعاً تنعدم فيه انبعاثات الغازات السامة وتصل إلى درجة الصفر. وبالإضافة إلى ذلك لن يتعين علينا استيراد النفط أو الوقود الأحفوري من أي دولة من الدول الأجنبية. وسوف تتوفر لبلادنا طاقة مستدامة بنسبة 100 في المئة. وهذا ما أتوقع له أن يكون المستقبل الحقيقي لعالمنا". وفي حين تواصل دول كثيرة حديثها عن تطوير مصادر الطاقة البديلة المتجددة، بهدف الحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، يلاحظ أن آيسلندا أعلنت التزامها بالتخلص التام من موارد الطاقة الأحفورية، والاعتماد الكلي على موارد الطاقة المتجددة بحلول منتصف القرن الحالي. فبدلاً من استيراد النفط لتشغيل سياراتها وسفن صيدها، تخطط هذه الدولة الصغيرة النائية المحاطة بالمياه، لتزويد محركات سفنها وسياراتها بالكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المائية والجيو-حرارية. وخلال السنوات الأخيرة استطاع الآيسلنديون توليد الطاقة من المياه الذائبة من الطبقات الجليدية العملاقة، ومن البخار الناشئ عن تضاريسها البركانية. ومن خلال هذين المصدرين تمكن الآيسلنديون من توفير كل حاجتهم من الكهرباء والتدفئة. بل تمكنوا من استغلال الطاقة الجيو- حرارية في شدة برد الشتاء في استنبات الموز في بيوت الزجاج المغطاة بالثلج. بل تمكنوا من تدفئة الشوارع وخطوط مرور المشاة في العاصمة ريكيافيك. وعلى حد قول "إريكور هجالمارسون" الناطق باسم شركة Rekjavik Energy فإن محطات الطاقة الآيسلندية تعمل أساساً في معالجة المياه من أجل الحصول على الطاقة. وبالفعل تحولت هذه المحطات الجيو- حرارية إلى قبلة لاجتذاب السياح والمهتمين بمجال الطاقة. وطالما أننا قد بدأنا بتوليد الكهرباء من موارد الطاقة المتجددة، فمن المنطقي أن نستخدم هذه الموارد نفسها لدفع السيارات. ووفقاً للخطة الحكومية المعلنة في عام 1998، فإن الهدف هو التخلص من الطاقة الأحفورية تماماً واستبدالها بالهيدروجين. ولتحقيق هذا الهدف انضمت كل من شركة "شل" و"ديملر إي. جي"، و"نورسك هايدرو" وغيرها من شركات الطاقة المحلية ومؤسسات البحث العلمي لتؤلف مجتمعة "شركة الطاقة الآيسلندية الجديدة" المتوقع لها قيادة هذا الجهد. أما محطة "شل"الغازية الجديدة التي تحدثنا عنها، فهي محطة تجريبية افتتحت عام 2003، وهي معنية بتزويد ثلاث حافلات من تلك التي تعمل بغاز الهيدروجين. وقد ظلت هذه الحافلات تجوب شوارع ريكيافيك لمدة أربع سنوات، دون أن تؤدي إلى وقوع أي نوع من الحوادث الناشئة عن طبيعة الطاقة التي تعمل بها. ثم تلا ذلك إطلاق 14 سيارة هيدروجينية في عام 2007 ليضاف إليها طاقم آخر من سيارات نقل الركاب في العام الماضي. بيد أن هذا المشروع الذي يهدف إلى تحويل آيسلندا إلى دولة هيدروجينية بحلول عام 2040، لا يزال بعيداً جداً عن مداه الزمني المقرر له. والسبب الرئيسي وراء هذا، تأخير صناعة السيارات ذات المحركات المصممة للعمل بطاقة الهيدروجين. وإذا أخذنا في الاعتبار لتأثيرات السالبة للركود الاقتصادي الحالي، فإن هذه المشكلة سوف تزداد سوءاً بالتأكيد. وكما يقول "سكولاسون" فإن الانهيار المالي الذي حدث في آيسلندا نفسها، لم يسهم في تأخير بناء المزيد من محطات التزود بطاقة الهيدروجين فحسب، بل زاد من الحاجة المحلية لتوسيع محطات وخطوط التزود هذه. وكما سبق القول فإن الفكرة هي استخدام الطاقة المولدة من موارد البخار والهيدروجين في دفع محركات السيارات الخضراء الجديدة. لكن وعلى رغم جدوى هذه السيارات سواء للتنقل داخل العاصمة ريكيافيك أم للسفر عبر طرق المرور السريعة وكذلك السفن والطائرات، فإن لهذا النوع من الاستخدام مدى واحتياجات لا يمكن الوفاء بها بواسطة الاعتماد على شحن البطارية التي تزود بها وسائل النقل هذه. ذلك هو رأي "براجي آرناسون" أستاذ الكيمياء بجامعة آيسلندا، وأول باحث يجري اختباراً للاستخدام التجاري لطاقة الهيدروجين في البلاد. وفي معرض توضيحه لرأيه قال البروفيسور "آرناسون": بإمكان المرء استخدام الكهرباء أينما ذهب، إلا إن للبطاريات سعة محدودة لا يمكن تجاوزها، وهي لا تكفي بالطبع لكافة الاحتياجات، لكونها لا تزيد على ما يتراوح بين 200-300 كيلومتر. وهذا ما يزيد الحاجة إلى ضرورة تخزين الطاقة في شكل أكبر وأكثر سعة. كولين وودوارد كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"