يعدّ إدمان المخدرات من أخطر الظواهر التي تهدد الأمن الاجتماعي والصحي على حدّ سواء، إذ إنها تستهدف بالأساس فئة الشباب التي تعتبر القوة الرئيسية في عملية الإنتاج والتنمية. وحسب إحصاءات صدرت عن الندوة التي نظمها "المركز الوطني للتأهيل" في قصر الإمارات يوم الأحد الماضي، فإن نسبة المدمنين على المخدرات في العالم العربي تتراوح بين 7% و10%، معظمهم من فئة الشباب. ونظراً لخطورة هذه الظاهرة، فإنها تشكّل أولوية متقدّمة لدى العديد من الهيئات والجهات المختلفة بالدولة، ولعل أهم ما يميز جهود الدولة في التعاطي مع مشكلة الإدمان أنها تنطلق من منظور شامل، بمعنى أنها تأخذ في الاعتبار الجانب العلاجي والاجتماعي، بمعنى علاج المدمنين أولاً ثم مساعدتهم ثانياً على الاندماج من جديد في المجتمع وتوفير مقومات الحياة الكريمة لهم؛ وقاية لهم من العودة إلى الإدمان من جديد؛ ليكونوا أفراداً فاعلين فيه. ويبدو هذا بوضوح في الحرص على إنشاء المزيد من عيادات الطب النفسي، ومراكز التأهيل التي تقوم بدور "وقائي" يتصل بمرحلة ما بعد العلاج، أو ما يسمّى بمواجهة الانتكاسة للمريض المعالج، لوقايته من العودة إلى تعاطي المخدرات. وقد نجح "المركز الوطني للتأهيل" في أبوظبي، خلال السنوات الماضية، في علاج العديد من الحالات وتأهيلها في هذا الصدد. هذه الرؤية الشاملة للتعاطي مع ظاهرة الإدمان، جعلت الإمارات واحدة من التجارب الناجحة عربياً ودولياً، يؤكد ذلك الإشادات الصادرة عن العديد من الهيئات الدولية الرسمية وغير الرسمية، وكان آخرها تلقي سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، وزير شؤون الرئاسة درع "الجمعية العالمية لطب الإدمان"، تقديراً وعرفاناً لدور سموه في دعم برامج علاج الإدمان على مستوى الدولة. وإذا كانت الدولة حريصة على التعاطي مع ظاهرة الإدمان وفقاً لأحدث المعايير العالمية، علاجياً ونفسياً، فإن الجانب الآخر لهذه الظاهرة، وهو انتشار المخدرات بالدولة، يلقى هو الآخر أولوية متقدّمة، خاصة أن الموقع الجغرافي لدولة الإمارات، كونه قريباً من دول الإنتاج العالمي للمخدرات، جعلها تصنف كدولة عبور للمخدرات باتجاه دول الاستهلاك، يؤكد ذلك نجاح الأجهزة الأمنية في ضبط كميات لا يستهان بها من المخدرات، فجمارك دبي ضبطت قبل أيام كمية كبيرة من حبوب "الكبتاجون" المخدرة بلغ عددها 651 ألف حبة تزن أكثر من 104 كلجم جرت محاولة إدخالها إلى البلاد عبر قرية الشحن في مطار دبي الدولي بوساطة أحد المقيمين. كما أحبطت نهاية الشهر الماضي تهريب كمية كبيرة من المخدرات قدرت بنحو 16 كيلوجراماً من مادة الهيروين النقي عالي الجودة للبلاد. ويبدو من الشواهد أن تهريب المخدرات يمثل بالفعل الخطر الحقيقي، صحيح أن أجهزة وزارة الداخلية تبذل جهداً هائلاً في مطاردة مهربي المخدرات وملاحقتهم، وتقديمهم إلى المحاكمة، ولكن التجارب في مختلف دول العالم تؤكد أن إصرار هذه العصابات على مواصلة جرائمها لا يتوقف، وهذا كله بفعل الأرباح الهائلة التي تدرها تجارة المخدرات في العالم، ما يجعل الحديث عن سيطرة نهائية مطلقة على التهريب والمهربين مسألة ربما تبدو أكثر صعوبة. وهذا يعني أن مواجهة ظاهرتي الإدمان، وانتشار المخدرات، ينبغي أن تكون مسؤولية الجميع، فإذا كانت الدولة يقع عليها العبء الأكبر، فإن مؤسسات التنشئة والرعاية الاجتماعية ابتداءً من الأسرة وانتهاءً بدور العبادة ومروراً بوسائل الإعلام والمدارس والجامعات والمعاهد وقادة الرأي والفكر والجمعيات الأهلية ينبغي أن تشارك في هذه الجهود، وذلك ضمن مقاربة شاملة، تكرّس الوعي بمخاطر الإدمان والمخدرات، وتأثيرها السلبي على أمن المجتمع واستقراره. ــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.