هناك جوقة يتزايد عددها من النقاد، ممن يطالبون في الوقت الراهن بإنشاء لجنة خاصة لـلتحقيق في الحالات المزعومة لإساءة استخدام السلطة من قبل إدارة بوش، لدى محاكمتها للأفراد في إطار حربها ضد الإرهاب. ففي هذا السياق طالب رئيس اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ الأميركي "باتريك ليهي" الأسبوع الماضي بإنشاء "لجنة خاصة للحقيقة"، كما قدم رئيس اللجنة القضائية لمجلس النواب "جون كونيارز جي. آر" مقترحاً تشريعياً لتأسيس لجنة وطنية مستقلة تتعلق بالنظر في الحريات المدنية وصلاحيات الرئيس الأميركي في زمن الحرب. ومن جانبه، تفاعل الرئيس أوباما ببرود مع الدعوات الموجهة إليه للتحقيق مع مسؤولي بوش. وفي الحقيقة أن أوباما على صواب في تشككه في جدوى تلك التحقيقات، التي نرى نحن أنها تمثل فكرة سيكون لها تأثير سيئ للغاية على السياسة، وربما على الجوانب القانونية والدستورية كذلك. وليس هناك جديد فيما يتعلق باللجان "غير الحزبية المستقلة"، فمن الأمثلة البارزة على تلك اللجان "لجنة وارين" التي أسسها الرئيس "جونسون" لمراجعة الملابسات المحيطة باغتيال سلفه "جون كنيدي"، وكذلك لجنة الحادي عشر من سبتمبر المشكلة من قبل الكونجرس للنظر في الإخفاقات الأمنية والاستخبارية التي قادت إلى الأحداث التي وقعت في ذلك اليوم من عام 2001. ونظراً لطبيعتها الفريدة، فإن تلك اللجان عادة ما توجد خارج أفرع الحكومة الثلاثة المحددة من قبل الدستور، وهو ما سينطبق على حالة اللجنة الوطنية التي اقترحها "كونيارز" بشأن صلاحيات الرئيس في حالة الحرب والحريات المدنية. فبموجب هذا المقترح المقدم في مجلس النواب تحت مسمى "إتش.آر. 104"، ستتكون هذه اللجنة من تسعة أعضاء، يختار الرئيس أحدهم ويتم تعيين الباقين من قبل رئاسة الكونجرس. وسيكون من صلاحيات هذه اللجنة "التحقيق في الحقائق ذات العلاقة، والظروف، والملابسات القانونية" المحيطة بسياسات إدارة بوش المختلفة، بما في ذلك استخدام وسائل الاستنطاق المشددة، والرقابة الإليكترونية الداخلية "غير المبررة"، وتقديم استنتاجاتها وتوصياتها إلى الكونجرس والرئيس. على السطح قد تبدو لجنة "كونيارز" المقترحة استشارية، ولكن الكثير من الداعين إليها يتوقعون منها -كما هو واضح- أن تحقق نتائج ولا تكتفي فحسب بتقديم مقترحات. ويشار في هذا السياق إلى أن "كونيارز" ذاته قد اقترح أن يكون "القانون الأساسي للتحديدات والقيود" قابلًا للتطبيق على التهم الجنائية المتعلقة بـ"التعذيب"، وأن يمتد نطاق التحقيق في "جرائم الحرب" بحيث تكون جزءاً من الجهد الرامي إلى كبح الصلاحيات الرئاسية شبه الإمبراطورية. أما نموذج "ليهي" فسيكون أكثر إثارة للتساؤلات، لأن اللجنة المسماة بهذا الاسم ستكون لها صلاحية منح المشاركين فيها الحصانة من المحاكمة -وهي صلاحية عادة ما تكون تنفيذية أو من حق الكونجرس. ومن الواضح أن الكثير سيعتمد على الكيفية التي ستعمل بها مثل هذه اللجنة، وطبيعة الاستنتاجات التي ستتوصل إليها، والتوصيات التي ستقدمها. وعلى وجه الخصوص، قد يؤدي أي جهد لتحديد المسؤولية الجنائية، إلى تقويض الطبيعة "الاستشارية" للجنة. وعلى الأقل سيكون بعض تلك المخالفات من النوع الذي يندرج ضمن المخالفات الخاصة بانتهاك القانون الدولي، مما يجعلها بالتالي عرضة -كما يقال- إلى مطالبات بتفويض عالمي من قبل الدول الأجنبية. فأي تحديد لسلوك إجرامي، خصوصاً إذا ما كان ذلك هو الإجراء الوحيد المرجعي عن الموضوع المتخذ من قبل هيئة حكومية أميركية يمكن أن يخدم كذريعة لإجراء محاكمة دولية للأفراد. وليس هناك شك في أن العديد من المدافعين عن مثل هذه اللجنة، والداعين إليها، والذين كانوا من أعلى نقاد بوش صوتاً طيلة الحرب على الإرهاب، يأملون في الوصول إلى هذه النتيجة تحديداً. ومثل هؤلاء يجب أن يفكروا مرتين. ذلك لأن محاولة محاكمة الخصوم السياسيين في الداخل، أو تسهيل محاكمتهم في الخارج، ومهما بلغت درجة اختلاف المرء مع خيارات هذه السياسة أثناء وجوده في المنصب، يشبه صب الحمض على جهاز أميركا الديمقراطي. فكما يبدو من تاريخ "القانون الأساسي للدفاع المستقل" غير المأسوف عليه، فإن فتح صندوق "بندورا" (صندوق الشرور حسب الأساطير اليونانية) مرة واحدة فإن محتوياته يمكن أن تنطلق ناشرة الخراب في كافة أرجاء الطيف السياسي والحزبي. فإذا ما افترضنا، على سبيل المثال، أن تنظيم "القاعدة" لا يزيد عن كونه مجرد مؤامرة إجرامية -كما ذهب إلى ذلك البعض لسنوات طويلة- فإن لائحة الاتهامات ضد باراك أوباما نفسه ستكون قد بدأت بالفعل. فمن خلال منحه التفويض بشن هجمات مستمرة بصواريخ "بدياتور" ضد قادة "القاعدة" في أفغانستان، فإن أوباما يكون قد استهدف هؤلاء المدنيين مباشرة من خلال استخدام "قوة مميتة" وهو ما يشكل في حد ذاته جريمة حرب. ومن حق أوباما والكونجرس مراجعة ورفض أي سياسة -أو جميع سياسات- إدارة بوش، ولكن ليس من حق أحد مطاردة الخصوم السياسيين من خلال التهديد بمقاضاتهم جنائياً، سواء تم ذلك بشكل مباشر، أو من خلال آلية اللجان المستقلة اللاحزبية. وهؤلاء الذين يؤيدون هذا المجهود الآن قد يندمون يوماً ما على السابقة التي تمثلها هذه اللجان. إن الدعاوى المتعلقة باساءة إدارة بوش استخدام الصلاحيات الرئاسية قد تمت مراجعتها بشكل كامل من خلال العديد من لجان الكونجرس من قبل. ولذلك فإنه إذا ما تم تمرير مشروع قانون "إتش. آر. 104" أو أي مشروع قانون مماثل في الكونجرس، فإنه يتعين على أوباما أن يئد هذه الوصفة لمواصلة الثأرات السياسية في مهدها، وأن يستخدم حق النقض المخول له لوقف مشروع القانون هذا. ديفيد بي ريفكين. جي. آر إل. إيه. كاسي مسؤولان في وزارة العدل الأميركية خلال إدارتي ريجان، وبوش الأب ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"