كلامي هنا موجه إلى الرأي العام العربي عامة وبوجه خاص إلى الأخوة في الفصائل الفلسطينية. التحذير هنا منصب على دلالة القرار الذي ألمح إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي منذ أسبوعين، وتبناه المجلس الوزاري الأمني يوم الأربعاء الماضي، حول قضايا التهدئة وفتح المعابر وإنهاء الحصار على غزة وتبادل الأسرى الفلسطينيين بالجندي الإسرائيلي شاليط. ذلك أنه بعد أن كانت قد شاعت أجواء الانفراج في المفاوضات الجارية بين إسرائيل و"حماس" بوساطة مصرية حول هذه القضايا، وبعد أن كان العالم قد فهم أن هناك صفقتين متوازيتين على وشك الانجاز، الأولى تتصل بالتهدئة لمدة عام ونصف، والثانية تتصل بتبادل الأسرى، إذا بالموقف ينقلب رأساً على عقب. لقد جاء قرار المجلس الوزاري الأمني ليجعل الإفراج عن شاليط من دون مقابل، شرطاً للتهدئة وفتح المعابر وإنهاء الحصار، لقد شرح وزير الداخلية الإسرائيلي هذا القرار عندما قال، إن الإفراج عن الجندي سيكون شرطاً لتوقيع أي اتفاق تهدئة مع "حماس" بوساطة مصرية، فليس من المعقول أن نفتح المعابر الحدودية وننقل مواد مختلفة عدا المساعدات الإنسانية قبل الإفراج عن الجندي. لقد أثار هذا التناقض الشديد بين موجة التفاؤل السابقة والتعنت والجمود المفاجئ، تساؤلاً حول معنى هذا التناقض، وهل هو كامن في رغبة الحكومة الحالية في دعم تسيبي ليفني أمام الرأي العام وإظهارها كزعيمة لحزب "كاديما" الحاكم، تتحلى ويتحلى حزبها بالقدرة على التشدد مع الفلسطينيين حتى لا تبدو ضعيفة كمرشحة لرئاسة الحكومة الجديدة أمام نتانياهو المرشح الآخر المعروف بتشدده وتصلبه؟ أم أن السبب في هذا التناقض راجع إلى ضعف الأداء الحكومي الذي اشتهر به أولمرت منذ حربه على لبنان عام 2008؟ أم أن السبب هو الرغبة في الإساءة إلى دور الوساطة المصرية وزرع فتنة بين مصر وأشقائها على غرار المحاولة التي قام بها مناحم بيجين عام 1981، عندما أطلق طائراته لمهاجمة المفاعل النووي العراقي بعد يومين من لقائه بالسادات، ليعطي انطباعاً بأن هناك تنسيقا في الأمر؟ في تقديري الشخصي أن السببين الأول والثالث يتلازمان ويكونان الدافع الحقيقي لهذا السلوك الانقلابي المتناقض، أما سبب ضعف الأداء فهو الشماعة التي حاول أولمرت أن يعلق عليها دافعه الفعلي عندما اتهم مبعوث الحكومة الإسرائيلية وممثلها في المفاوضات مع "حماس" عبر الوساطة المصرية الجنرال عاموس جلعاد رئيس الدائرة الأمنية والسياسية في وزارة الدفاع، بسوء الأداء. فلقد صرح أولمرت لصحيفة "معاريف" أن موقفه لم يتغير، وأنه كان يربط منذ بداية المفاوضات بين إطلاق شاليط والتهدئة ورفع الحصار، وأن الانطباع الخاطئ قد نتج عن الأداء السيئ والتصرفات المنفردة للجنرال جلعاد الذي أعطى الوسطاء انطباعاً بأن التهدئة أصبحت قاب قوسين أو أدني دون أساس. إذن، لقد جاءت محاولة أولمرت لتغطية أهدافه الحقيقية لتلقي باللوم على أحد موظفيه، مطمئناً إلى أن هذا الموظف لن يستطيع التعليق على أقوال رئيس الوزراء. المفاجأة جاءت عندما فقد جلعاد هدوءه وشعر بالإهانة فكذَّب رئيس الوزراء، وقال لصحيفة "معاريف" في حوار نشرته الثلاثاء الماضي، إن أي تحرك قام به كان بمعرفة رئيس الوزراء وإنه لم يذهب بمفرده ولا مرة واحدة إلى مفاوضات القاهرة، وإنه كان معه دائماً وفد حكومي يضم واحداً على الأقل يتحدث العربية، وإن كل شيء مدون ومكتوب بما في ذلك التعليمات التي كان يتلقاها من الحكومة حول توجيه المفاوضات، وإنه كان يقوم فور عودته برفع تقرير مكتوب إلى وزير الدفاع ورئيس الوزراء. وإذا كان هذا التكذيب من جانب الجنرال جلعاد لرئيس وزرائه يفضح أساليب التآمر والالتواء والأكاذيب والمناورات التي تعتمدها السياسة الإسرائيلية، فإنه لا يقل أهمية عن ذلك، تحذيرات جلعاد للرأي العام الإسرائيلي من أن هذه السياسة تمثل إهانة للمصريين، وتنذر بتحويل مصر التي كانت على وشك تدمير إسرائيل عام 1948 ووجهت إليها هزيمة فادحة عام 1973، عن موقفها السلمي. لقد أفاض جلعاد في هذا التحذير منبهاً إلى أن قطر تحولت وانضمت إلى إيران وأن تركيا بدورها تتأرجح نتيجة للسياسات الإسرائيلية، مشيراً إلى ضرورة الاتعاظ من هذا خاصة أن الأردن ومصر يغليان من الداخل بسبب السياسات الإسرائيلية. هذا النموذج الجديد لسياسات دس الفتن والمكيدة بين مصر وأشقائها، يستوجب رد فعل عاجل من مصر وأشقائها يسارع إلى المصالحة ورص الصفوف واتخاذ مواقف موحدة على كل الأصعدة، فالقادم من الحكومة الجديدة برئاسة نتينياهو، سيكون أسوأ.