استهلت هيلاري كلينتون أول جولة خارجية لها كوزيرة للخارجية الأميركية، بخطاب يوم الجمعة يوضح آراء ومواقف إدارة أوباما من جولتها الآسيوية. واللافت أن مقاربتها للموضوع بالغ الأهمية، والمتمثل في البرنامج لكوريا الشمالية، تبرز استمرارية كبيرة لسياسات إدارة بوش. لكن ذلك أمر غير مفاجئ بالنظر إلى خطاب حملة أوباما الانتخابية. أما الأمر المفاجئ، فهو البراءة التامة التي تم لف الجوهر فيها، ما يعكس سذاجة تتجاوز كوريا الشمالية بكثير. وبالتالي، فموقف الوزيرة الأميركية قد يكون أكثر إثارة للقلق من التكرار الرتيب للسياسات التي تشير إلى أهمية المحادثات السداسية والحاجة إلى "إعادة المفاوضات إلى مسارها". ولنأخذ على سبيل المثال إشاراتها المتكررة إلى "القوة الذكية"، والتي تهدف، على ما يُفترض، إلى تمييز فريق أوباما عن سلفه. فعلى غرار تعريف القاضي بوتر ستيوارت للبورنوغرافيا، فنحن على ما يبدو يفترض أن نعرف القوة الذكية حين نراها. والواقع أن كل الإدارات الجديدة لها الحق في بضعة أسابيع للترويج لتفوقها وتميزها، غير أن الشعارات والملصقات ينبغي أن تختفي حالما تبدأ الزيارات الخارجية لتحل محلها السياسات الحقيقية. وإلا فإن المراقبين قد يخلصون إلى أن الرئيس، ووزيرة خارجيته، ما زالا يتنافسان على منصب الرئاسة. لقد وصفت كلينتون برنامج كوريا الشمالية النووي عن حق بأنه "أكبر تحدٍ للاستقرار في منطقة شمال شرق آسيا"، ووضعت الهدف المتمثل في أن "يقضي الشمال بشكل تام وقابل للتحقق" على أنشطته وأسلحته النووية، غير أن هذه العبارة المألوفة تشير ضمناً - وللأسف- إلى أن كوريا الشمالية تستطيع الاحتفاظ ببرنامج نووي طالما أنه "سلمي". وعليه، فإن هذه الصفقة يمكن وصفها بأي شيء غير "الذكاء"؛ لأن السماح لبيونج يانج بالتوافر على قدرات نووية "سلمية" يعني بكل بساطة مزيداً من التجاوزات والانتهاكات في المستقبل وتكراراً للمشكلة نفسها التي نحن في حاجة إلى "التخلص منها". وبالقدر نفسه من الأسف، لم تشر هيلاري، من قريب ولا من بعيد، إلى النطاق العالمي للتهديد الكوري الشمالي، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط، حيث تؤجج مساهمةُ بيونج يانج في انتشار الصواريخ النووية والباليستية التوترات الإقليمية. وهذا الإغفال لافت جداً؛ لأن كلينتون هي القائلة "إننا لم نعد نستطيع مقاربة سياساتنا الخارجية على أساس كل بلد على حدة أو تقطيع العالم إلى مناطق منفصلة"، والحال أن ذلك بالضبط ما فعلته، متجاهلةً، من بين أمور أخرى، تعاون كوريا الشمالية الصاروخي مع إيران ومحاولتها إنشاء نسخة مماثلة لمفاعلها يونجبيون في سوريا قبل أن تقوم إسرائيل بتدمير الموقع في سبتمبر 2007. تصريحات الوزيرة الأميركية في مؤتمر صحفي لاحقاً، أبرزت أكثر افتقار الخطاب إلى بعد استراتيجي. فحين سئلت حول تقييمها للاتفاق الإطار، وهو الاتفاق الذي أُبرم بين بيونج يانج وواشنطن في عهد رئاسة زوجها، عبرت كلينتون عن أسفها لكون "إدارة بوش اختارت الانسحاب تماماً" من الاتفاق، مضيفة أن "المعلومات" حول مساعي كوريا الشمالية لتخصيب اليورانيوم "كان ينبغي التعاطي معها بجدية"، لكن "إلى جانب الاتفاق الإطار" وليس بدلاً منه. وهذا موقف تحار فيه العقول حقاً، وذلك لأن انتهاكات كوريا الشمالية المتكررة للاتفاق الإطار هي التي خرقت الاتفاق، وليس إدارة بوش. وعلاوة على ذلك، فإن بيونج يانج غشّت وكذبت بخصوص لب الاتفاق وجوهره، أي تفكيك البرنامج النووي لكوريا الشمالية. ثم إن احترام الالتزامات الأميركية التي وردت في الاتفاق الإطار بينما ينتهك "الشمال" التزاماته، كان سيمثل حالة كلاسيكية لمجازاة ومكافأة السلوك السيئ، وهو تحديداً ما قامت به إدارة بوش. وبالنظر إلى الانتهاكات السافرة والمتواصلة التي تقوم بها كوريا الشمالية، يجوز السؤال: ما هو السبب الذي يمكن الدفع به للاعتقاد بأن "الشمال" سيلتزم باتفاق جديد للإحجام عن تخصيب اليوروانيوم؟ علاوة على ذلك، فإن هيلاري، باستمرارها في إلقاء ظلال من الشك على وجود برنامج تخصيب اليوروانيوم الكوري الشمالي، إنما تقوي وتزيد من تصميم "الشمال" وعزمه على عدم السماح بأي عملية تحقق ذات معنى. الوزيرة التي قالت "إننا لم ننس عائلات المواطنين اليابانيين المختطفين في كوريا الشمالية"، وعدت بالالتقاء بالعائلات "على أساس إنساني شخصي جداً". ولئن كان التعاطف شيئاً محموداً ويستحق الإشادة، فإن الأمر كان سيكون أفضل وأكثر تشجيعاً لو أن الوزيرة شددت على الاستنتاج المهم المتمثل في أن إرهاب الدولة الذي تتورط فيه كوريا الشمالية، مثلما تجسده قصص هذه العائلات، إنما يكشف طابع ذاك النظام الإجرامي. وهذه مسألة مهمة في اليابان، وموقف عائلات المختطفين منها واضح ومقنع. فالعائلات تقدِّر التعاطف معها، غير أن ما تريده حقاً وتتمناه هو محاسبة بيونج يانج. لقد أكدت هيلاري أنها مستعدة "للإصغاء جيداً" خلال زيارتها. ولا يسع المرء إلا أن يأمل أن تكون الوزيرة قد أصغت جيداً بالفعل، خاصة إلى كوريا الشمالية واليابان. ورغم أنه لا يوجد ما يكفي من الأسباب ليأمل المرء أن تقدم إدارة أوباما "تغييراً" بخصوص السياسة الأميركية تجاه كوريا الشمالية، فإن وزيرة خارجيتها ستعود على الأقل من آسيا وهي مدركة لحجم وعمق التهديد الإقليمي والعالمي الذي تطرحه كوريا الشمالية. --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"