حذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة من انتشار نوع جديد من الفطريات التي تهدد حقول القمح الخصبة في كينيا ومن احتمال انتقالها إلى خارج أفريقيا لتضر بأحد المحاصيل الزراعية الأساسية حول العالم. فقد عاد "صدأ الساق"، أحد الأوبئة الخطيرة التي تفتك بالقمح، إلى الظهور مجدداً في عام 1999 بعدما اعتقد المزارعون أنه اختفى من الوجود قبل خمسين عاماً ليقفز من كينيا حيث رُصد أول مرة إلى اليمن عام 2006، ثم ليظهر في إيران خلال العام الماضي. والمشكلة أن العلماء الذين ينكبون حالياً على التصدي لـ"صدأ الساق" أعلنوا رسمياً عجزهم في القضاء عليهم وعبروا عن خيبة أملهم في إيجاد أنواع من النباتات أكثر مقاومة للوباء يمكن الاعتماد عليها لاستخلاص الدواء الناجع، أو المبيدات الكفيلة بالقضاء على الكابوس الذي بات يهدد محاصيل القمح حول العالم. وبحسب "نورمان بورلوج"، العالم الزراعي الحاصل على جائزة نوبل وأحد أهم الخبراء العالميين في الوباء، يستطيع "صدأ الساق" الانتشار على نطاق واسع ويتحول إلى كارثة حقيقية في غضون عام واحد إذا توافرت بعض الظروف المناخية، ويعبر العالم "بورلوج" عن ذلك بقوله "إننا أمام مشكلة خطيرة؛ لأن جزءاً كبيراً من أراضي العالم المزروعة بالقمح معرضة للوباء الذي ينطوي على قدرات تدميرية هائلة". ويكشف الوباء الخطير الذي جاء في أعقاب ندرة البذور التي شهدناها في السنة الماضية مدى هشاشة إمدادات الغذاء في البلدان الفقيرة، كما يذكرنا بارتهان النمو السكاني بالأوبئة الغذائية التي تظهر بين الفينة والأخرى في أنحاء متفرقة من العالم وتهدد بالقضاء على محاصيل زراعية بأكملها. وترجع أولى إشارات الخطر إلى العام 1999 عندما وصلت رسالة إلكترونية إلى العالم الزراعي "رافي سينج" والخبير في المركز الدولي لتطوير الذرة والقمح في المكسيك، حيث كان أحد متدربي المركز يرصد حقول أوغندا بأفريقيا، ولم يصدق ما شاهده بعدما انهارت تماماً النباتات التي طُورت لمقاومة "صدأ الساق"، وفقدت قدرتها على الحياة. ويوضح "سينج" ذلك قائلاً: "لقد كانت صدمة حقيقية؛ لأننا لم نرَ قط هذا الانهيار التام للنباتات أمام الطفيليات، وأول ما يتبادر إلى ذهنك هو أن الأمر ليس حقيقياً". لكن الباحثين في جنوب أفريفيا وولاية مينوسوتا الأميركية اكتشفوا لماذا كان الأمر حقيقياً؟ فمن خلال التفاعلات البيولوجية التي تتيح للطفيليات القديمة التحول واكتساب خصائص جينية جديدة، استطاع "صدأ الساق" امتلاك قدرة مخيفة على اختراق مقاومة محاصيل القمح التي كانت محصنة منه لعقود والفتك بها. وحسب خبراء منظمة الأغذية والزراعة الدولية، أصبح 80% من أنواع القمح المزروعة في أفريقيا وآسيا معرضة للوباء، بل حتى الشعير بات مهدداً بزحف "صدأ الساق"، وقد أطلق العلماء الذين رصدوا النسخة الجديدة من الوباء اسم "Ug99" نسبة إلى المكان الذي اكتشف فيه أول مرة، وهو أوغندا والسنة التي رصد فيها وهي 1999، رغم أنهم يعتقدون أن المحطة الأولى كانت في كينيا، حيث الأراضي المزروعة بالقمح أكبر. وبالنظر إلى حجم التهديد، أطلق مركز الأبحاث في المكسيك تحذيراً رسمياً وصف فيه الوباء بأنه "كارثة تنتظر الزراعة العالمية"، وأكدت منظمة الأغذية والزراعة في شهر مارس الماضي أن الفطريات انتقلت إلى إيران، مؤكدة أن "أفغانستان والهند وباكستان وتركمانستان وأوزبكستان وكازاخستان، وهي من المنتجين الأساسيين للقمح، باتت مهددة بالطفيليات الجديدة وعليها اتخاذ كافة الوسائل لمواجهتها". وفي كينيا، حيث تترامى حقول القمح على مد البصر، تحول محصول المزارع "جوزيف أترونو" من القمح إلى مجرد عروش خاوية بعدما تسللت الطفليات إلى السنابل، التي بدلاً من أن تحمل الحبوب بدت مجوفة وذابلة. وتزداد المشكلة بالنسبة للمزارع الكيني بسبب اعتماده الكلي على بيع محصول القمح لتبلية احتياجات عائلته، وهو لم يجد أمامه من حل سوى بيع ما تبقى له من دجاجات، وليس الأمر بأفضل لدى المزارعين الميسورين من ذوي الأراضي الشاسعة بعدما اضطر "لوس ناتينجل" إلى رش أراضه بالمبيدات أكثر من مرة عله ينقذ بعضاً من المحصول الذي أكله الصدأ. والحقيقة أن مئات الملايين من المزارعين سيعانون في البلدان النامية على غرار "أترونو" في كينيا الذي أمضى 35 عاماً من حياته يعمل في حقول الآخرين أملاً في أن يستطيع في يوم ما زراعة أرضه الخاصة، وقد رأى في ارتفاع أسعار القمح خلال العام الماضي بسبب قلة المعروض منها فرصة للبدء في الزراعة، لذا قرر اكتراء أرض وزراعة القمح على أمل أن يحسن من مستواه المعيشي إلى درجة أنه عندما رأى المحصول أحس "أترونو"، كما قال، بالفرحة، لكن ما لم يره المزارع الكيني هو تلك الطفيليات التي كان ملتصقة بالسنابل، وتسرق المواد المعدنية المفترض بها تغذية الحبوب لضمان نمو المحصول ونضجه. وعلى غرار رجال الإطفاء الذين يستجيبون لجرس الإنذار، هرع خبراء القمح حول العالم لمحاربة "صدأ الساق" والتصدي له قبل فوات الأوان، حيث اتخذوا من معهد البحث الزراعي في كينيا منطلقاً لجهودهم التي يترأسها "بورلوج" نفسه باعتباره أب الثورة الخضراء والمطور الأول لأنواع النباتات المقاومة لـ"صدأ الساق" قبل سنوات. وفي العام 2005 أخذه الكينيون إلى منطقة "ناروك" التي خسر فيها المزارعون من قبيلة "الماساي" جل محاصيلهم بسبب الوباء، وعلى الفور قام "بورلوج" بجمع كوكبة من العلماء في البلدان المنتجة للقمح وحصل على التمويل المناسب لمتابعة الجهود وإجراء التجارب. --------- شارون شميكل كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"