الحملات الرقابية التي ستبدأها وزارة الاقتصاد، الشهر المقبل، في أسواق مختلف إمارات الدولة، للتحقق من التزام جميع منافذ التوزيع خفض أسعار بعض السلع الأساسية، حملات مهمّة، ليس لأنها تستهدف بالأساس التأكد من تراجع الأسعار، لكنها تسعى إلى إعادة الانضباط إلى أسواق الدولة بصفة عامة أيضاً، في ظل عدم التزام العديد من المراكز التجارية بيع السلع والمواد الغذائية بالأسعار المخفّضة وفقاً للاتفاقيات التي وقعتها مع الوزارة وبنسب تتراوح ما بين 15% و35%، ناهيك عن وجود بعض السلع غير المطابقة للمواصفات من ناحية أخرى. فليس مقبولاً أن تستمر أسعار بعض السلع مرتفعة، برغم أن الوزارة تقرّ بانخفاضها بنسب كبيرة كالأرز والحليب البودرة وزيوت الطعام، الأمر الذي يعني أن مورّدي الأغذية يصرّون ليس على تثبيت الأسعار فقط وعدم خفضها استجابة للاتجاه العام العالمي نتيجة لـ"الأزمة المالية والاقتصادية" التي تضرب العالم منذ فترة وتسبّبت في حالة من الكساد التي طالت آثارها الجميع، وإنما زيادة الأسعار أيضاً، متعلّلين بأسباب مختلفة وغير مقنعة. فبرغم أن التقديرات والإحصاءات تشير إلى أن أسعار بعض السلع قد انخفضت في دول المنشأ بنسبة تتراوح بين 30% إلى 50%، وهذا كان يجب أن ينعكس على أسعار السلع في منافذ البيع المختلفة، فإنه لم يحدث، وحتى على الرغم من بعض الانخفاض الذي لحق ببعض السلع، فإنه يظلّ ضئيلاً ولا يتناسب مع معدلات الانخفاض العالمية في هذه الأسعار. لكن هذا لا ينفي الجهود المبذولة للرقابة على الأسعار بشكل دوري، فـ"اللجنة العليا لحماية المستهلك"، وبالتعاون مع الدوائر المحلية في مختلف إمارات الدولة تقوم بدور مهم في هذا الصدد، كما يتم اتخاذ الإجراءات القانونية لمعاقبة المخالفين من دون استثناء، وتتراوح العقوبة من الإنذار إلى إغلاق المنشأة لفترات متباينة وفقاً لنوع المخالفة وحجمها. وتقوم "إدارة حماية المستهلك" بتوزيع قرارات تحذيرية باللغات العربية والإنجليزية والأوردية على المزوّدين في الأسواق الرئيسية في جميع إمارات الدولة لتحذير المزوّدين من الاستغلال والاحتكار ورفع الأسعار غير المبرّرة. وبالفعل هناك استجابة لهذه الجهود من بعض منافذ التوزيع بطرح مبادرات لخفض الأسعار، كما أعلنت إحدى الجمعيات التعاونية أنها تبحث حالياً زيادة عدد السلع التي تبيعها بسعر الشراء لترفع بذلك عدد السلع التي تبيعها من دون إضافة التكلفة أو هامش ربح، والتي يبلغ عددها حالياً 235 سلعة. وستنظم وزارة الاقتصاد في النصف الأول من مارس المقبل حملة توعية لمدة أسبوعين لتعريف المستهلكين بحقوقهم "الثمانية" التي كفلها لهم القانون 24 لسنة 2006 واللوائح التنفيذية والقرار 466 لسنة 2007، لمكافحة الغش والاستغلال والاحتكار وتوفير احتياجات المستهلكين من السلع والخدمات. لا شكّ في أن هذا كله يعد توجّهاً مهمّاً من قبل وزارة الاقتصاد في أدائها دورها في المراجعة والرقابة على حركة الأسعار، وإعادة الانضباط إلى أسواق الدولة بصفة عامة، لكن هذا يتطلب تعاون الأطراف الأخرى، فالإعلام معنيّ هو الآخر بحماية المستهلك وتوعيته، من خلال برامجه ونشراته الدورية حول حركة الأسعار واتجاهاتها، ومقارنتها مع حركة الأسعار العالمية، لتتضح معالم الصورة أمام المستهلك. والمستهلك هو الآخر عليه القيام بدور إيجابي من خلال الإبلاغ عن أي تجاوزات لافتة للنظر في أسعار السلع الرئيسية، ليس هذا وحسب، بل والامتناع عن شراء السلع التي ترتفع أسعارها من دون مبرر أو على الأقل الإقلال من اللجوء إليها، وهذا من شأنه أن يقنع المورّدين بعدم رفع الأسعار، كما يقنع مراكز التوزيع والبيع بعدم قبول السلع مرتفعة السعر أو عدم عرضها؛ لأن الجمهور لا يقبل عليها.