لماذا إيران الثورة تريد إعادة تدوير خطاب الإمبراطوريات التي بادت منذ قرون وتصر على الصراخ للخارج فقط للتنفيس عما يعانيه الشعب في الداخل؟ فالخطاب السياسي وخطب الجمعة وبعض البرامج الإعلامية تتحدث بلغة واحدة لا تتجاوز حدود التآمر على المشروع "الحضاري" للثورة وإعطاء الداخل صورة مغايرة تماماً لقلب الحقائق على رؤوس المتضررين من المضي بعيداً في الاستفزاز وإقلاق الجيران في منطقة الخليج وما وراءها. إننا في الإمارات كما شأن إخواننا في البحرين يعلوهم الاستغراب والريب الشديد والقلق العميق من مسألة "المحافظة الرابعة عشرة" وإعادة السيرة غير الحسنة لصدام عندما احتل الكويت بذات منطق "المحافظة التاسعة عشرة". أهكذا تدار السياسات بين أقرب جيرة، بالأمس الإمارات، واليوم البحرين، فهل هي سلسلة من الأزمات المفتعلة لتغييب الداخل عما يدور في الخارج، أم أن معادلة النوايا الحسنة لدى المثوَّرين قد طعنت في ظهرها التصريحات غير المسؤولة وقصر النظر السياسي لمتغيرات على المستوى العالمي والأميركي على وجه التحديد بعد عرض أوباما ومد يده لإيران بلا شروط مسبقة، فما هدف إيران في المزيد من تضييق الخناق على نفسها أم أنها بانتظار جناية براقش من جديد؟! لغة إيران الدبلوماسية قد فقدت الكثير من طعمها ومذاقها العام، فالعقود الطويلة التي مرت على العقليات الثورية لم تستطع إضافة المزيد من فيتامينات "العقلنة" إليها، بل يبدو أن الفيروسات الضارة هي المسيطرة على تركيبة رجال الثورة المتمسكين بتلابيب منافذ الهواء الصافي من الوصول إلى مصافي التغيير الإيجابي من الداخل نحو الخارج، لأن مترتبات الخارج ليست في الصالح الإيراني وفق المناظير المقربة والمبعدة. إننا أمام حالة سياسية نادرة تحكم الثورة في بلد كان الانفتاح من عصر الخيّام الشاعر الرومانسي وصاحب النظريات العلمية في الرياضيات، هو السائد. أما اليوم فكل من ينحو نحو الخيام في شاعريته وعلميته في إيران يدخل مباشرة خانة "العمالة" للأعداء الموصوفين دائماً في الخطاب المستهلك بالعفاريت والشياطين الكبار في أميركا وإسرائيل، ولم تقف هذه الشيطنة عند الكبار فقط لأن الجيران بالجنب يبدو أنهم أصبحوا جزءاً من ذات الخطاب الممجوج في الأثر والمفعول. هل يعقل أن ننتظر حتى يطل علينا "خاتم سليمان" الإيراني ليعيد الخطاب العقلاني إلى الفهم الثوري ويوقف بسحره الجموح الذي لا علاقة له بأدنى درجات العلاقات بين أقل المؤسسات، فكيف ذاك مع الدول المستقلة والمعترف بها من كافة المنظمات الدولية والإقليمية منذ عقود. فهل تبقى أوضاع منطقة الخليج مرهونة بوضع هذا "الخاتم" مرة أخرى في إصبع بلقيس لتولي عرش إيران حتى تهدأ وتستقر المنطقة ويسودها الأمن والأمان وسط الأجواء الملبدة بالغيوم والعواصف السياسية التي قد تتحول إلى كوارث بشرية وإنسانية أكبر مما شهدناه من قبل. فالخليج منذ دخول "الآيات" إلى المعادلة الأمنية في المنطقة لم يشهد استقراراً بالمعنى الحقيقي. ماذا حدث في زلزال الحرب العراقية/ الإيرانية، وبعدها من غزو العراق للكويت، والأوضاع العراقية بعد الاحتلال الأميركي والتدخلات الإيرانية ونفوذها، وما نسمعه ونقرؤه اليوم عن المطالبة بمملكة البحرين على أساس أنها "المحافظة الرابعة عشرة"، أمر لا ينذر بخير وخاصة إذا علمنا بأن لدى إيران الثورة ملفات عالقة مع الإمارات التي احتلت جزرها عنوة والنووي الذي لم يرس على بر وأخرى تلتف حول إيران في شتى بقاع الأرض لا نعلم مصيرها غير أنها شائكة حتى وإن كانت تدار من تحت الطاولات، نذكِّر فقط بأن الثورة التي كان شعارها "الحرية والاستقلال" عند فورة النشوة تحولت بعد أشهر من قيامها إلى "حرية الاحتلال".