في عددها الصادر بتاريخ 2009/2/8 نشرت مجلة "المجلة" تقريراً يتحدث عن هدف أميركا القادم من الشباب العربي، وحسب هذا التقرير فإن الإدارة الأميركية الحالية وضعت رؤية سياسية طويلة المدى لاستهداف عقول الشباب العربي عبر "القوة الناعمة"، أي كسب عقول هذا الشباب وحصول الولايات المتحدة على ما تريده منه عن طريق الجاذبية وليس القوة، أي جاذبية ثقافتها وسياستها التي وجدت أن تأثيرها أكبر بكثير من القوة الصلبة التي كانت تستخدمها في السابق، مستغلة بذلك الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها المنطقة، والتي كان للإدارة الأميركية السابقة دور مهم في خلقها وتوظيفها. الإدارة الأميركية الجديدة، ومن خلال هذا التوجه، تسعى إلى خلق فجوة بين الشباب العربي وحكومات دوله، وذلك عن طريق العزف على وتر الإصلاح وشعارات أخرى تلامس وجدان الشباب وأحلامهم، لتطبيق نظرية أميركية جديدة تهدف إلى السيطرة على الشباب العربي وقيادته تحت شعار المستقبل الجديد للمنطقة. وهذا التوجه هو خلاصة دراسات عديدة قامت بها مجموعة من مراكز الأبحاث الأميركية تحت عنوان "اليوم الذي بعد". وأهمية هذه الدراسات أنها جاءت بعد زيارات عديدة قام بها باحثون من هذه المراكز إلى الدول العربية، واختبارات متنوعة تعرفوا من خلالها على الإشكاليات التي تؤثر في فكر الشباب العربي والتي قد تكون مدخلاً للتأثير في عقولهم. وقد حددت الخبيرة الأميركية تمارا كوفمان ويتز مديرة "مشروع الديمقراطية والتنمية في الشرق الأوسط" بمعهد بروكينجز، معالم هذا التوجه الجديد في ثلاثة محاور: 1- التركيز على التعليم، لأنه المسؤول عن تكوين الشباب العربي وتوجيه ميوله واهتماماته. 2- التركيز على توسيع نشر الثقافة الأميركية وتكثيفها. 3- التركيز على نشر "الليبرالية" الموجهة. إن كل ما أخشاه هو أن تكون مثل هذه التوجهات السياسية التي تعتمد على استخدام "القوة الناعمة" كأساس للتغلغل في العقل العربي، مدخلاً لبداية نوع من "الاستعمار الناعم" في المنطقة؛ الاستعمار الفكري واللغوي والثقافي. ويكفي هنا أن أشير إلى مقولة وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول: "لا أستطيع أن أفكر في رصيد لبلدنا أثمن من صداقة قادة عالم المستقبل الذين تلقوا تعليمهم هنا". وحسب تقارير دولية فإن الكثير من هؤلاء الطلاب يشكلون "مخزناً" مهماً لتمرير ثقافة "القوة الناعمة" في بلدانهم، فهم مثلا يفضلون اللغة الإنجليزية على اللغة العربية، وجعلها اللغة الأولى في معاملاتهم وخطاباتهم، ويفضلون التعليم الأجنبي والكتاب الأجنبي. وهؤلاء غالباً ما ينتهي بهم الأمر إلى احتلال مناصب وظيفية مرموقة يستطيعون من خلالها التأثير في جوانب من الحياة العامة. وقد أشار جوزيف ناي، مؤلف كتاب "القوة الناعمة" إلى ذلك بوضوح عندما نقل عن جورجي شاكنازاروف، أحد كبار المسؤولين الشيوعيين، وهو يصف التأثيرات السياسية التي لعبتها القوة الناعمة في تآكل الاتحاد السوفييتي السابق من الداخل، وأدت إلى سقوطه في النهاية، قوله: "كنا جميعاً، أنا وغورباتشوف والآخرون، ذوي تفكير مزدوج، إذ كان علينا أن نوازن في أذهاننا بين الحقيقة والدعاية طيلة الوقت. وقد اتضحت آثار التآكل على ثقة السوفييت بأنفسهم وعقديتهم الأيديولوجية في أعمالهم، عندما وصل ذلك الجيل إلى السلطة في آخر الأمر في منتصف ثمانينيات القرن العشرين". إن الحرب القادمة ستكون حرب "تغيير" العقول العربية لإذابتها في ثقافة الغرب، وذلك بتشجيع جاذبية ثقافة القوة الناعمة في صفوف الشباب العربي، سواء كان ذلك في التعليم والإعلام أو على مستوى القيم واستعمال اللغة الإنجليزية والتي أصبحت هي الأساس في غالبية الدول العربية، حتى يحدث عند هؤلاء الشباب نوع من الهزيمة النفسية وتكتمل على ضوء ذلك الأهداف السياسية الكبرى للسياسة الخارجية الأميركية.