كان انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة، إيذاناً ببروز الولايات المتحدة الأميركية كقطب أوحد على الساحة الدولية، يمتلك مقومات القوة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية على نحو يفوق باقي القوى الدولية الأخرى مجتمعة... مما أهلها لقيادة العالم، لتمنح نفسها حق رسم سياساته وتقرير قضايا الحرب والسلم فيه. وبلغ هذا التوجه ذروته في عهد بوش الابن الذي تبنى مفاهيم الاستخدام المفرط للقوة العسكرية، وصاغ استراتيجية الضربات الوقائية، والعمل المنفرد، وتجاهل المنظمات الدولية والقانون الدولي والاتفاقيات الدولية... وهذا ما تجلى في حربيه ضد أفغانستان والعراق. غير أن خبرة هذا التوجه أثارت الجدل مجدداً حول جدوائية الاعتماد على القوة العسكرية، وتجاوز الدبلوماسية، ومدى صلاحية منهج العمل المنفرد، وإمكانية استمرار التفرد الأميركي بقيادة العالم. ذلك هو الإطار العام الذي ناقشته ودارت حوله مقالات كتاب "نظرات في العلاقات الدولية"، لمؤلفه الدكتور السيد أمين شلبي، وهو سفير مصري سابق، له عدة كتب تهتم بتطور النظام الدولي وعلاقات القوى الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. أما كتابه الذي نعرضه هنا، فيأتي كرصد للأحداث والتطورات الدولية على مدى الأعوام الأخيرة. يتألف الكتاب من أربعة أقسام يناقش في أولها قضايا شرق أوسطية متنوعة ويركز بصفة خاصة على الاستراتيجية الأميركية في بناء "شرق أوسط جديد". وفي هذا السياق يستعرض رؤية خبير استراتيجي هو ريتشارد هاس، الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، حول ملامح ما أسماه "الشرق الأوسط الجديد"، وأخطاء السياسة الخارجية الأميركية وفرصها في المنطقة. وحسب المؤلف فقد وضع هاس إصبعه على أهم أخطاء السياسة الأميركية، ومنها الاعتماد المفرط على القوة العسكرية، وإهمال الصراع العربي الإسرائيلي. ويرى هاس أن التوقعات حول شرق أوسط مزدهر وديمقراطي، يسوده السلام مستقبلا... لن تتحقق قريباً، بل ستظل عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين متعثرة، وستصبح إيران دولة قوية في المنطقة، وسيتسع دور الميليشيات المسلحة، وينمو الإرهاب وتتعقد أدواته، وسيتصاعد التوتر الطائفي، وستملأ الحركات الدينية فراغاً سياسياً وثقافياً واسعاً... ورغم قوة المعطيات الخاصة بهذا السيناريو، يعتقد المؤلف أن جهداً دبلوماسياً جاداً، إقليمياً ودولياً، يمكن أن يحول دون جعل هذا عناصر هذا المشهد قدراً نهائياً. ويتطرق الكتاب إلى الأزمة النووية الإيرانية موضحاً وجود عاملين يتجاذبان السياسة الأميركية في هذا الشأن: أولهما تصورها حول أخطار عدم التحكم في إمكانية توصل إيران إلى امتلاك السلاح النووي، وثانيهما تقديرها للأوراق التي تملكها إيران لاسيما في العراق. وهكذا تتشابك وتتعقد القضايا والدوافع والاعتبارات التي تتحكم في الأزمة النووية الإيرانية. كما يناقش الكتاب موضوع "الديمقراطية في العلاقات العربية الأميركية"، فيقول إنه موضوع اكتسب بعداً وتركيزاً جديدين بعد أحداث 11 سبتمبر، لكنه أضاف تعقيدات جديدة إلى العلاقات العربية الأميركية، كما لم يخل من إشكالات بالنسبة للولايات المتحدة نفسها حين حققت حركات إسلامية معارضة للسياسة الأميركية، نصراً انتخابياً في عدة بلدان عربية. وفيما يتعلق بدور اللوبي اليهودي في سياسة أميركا الخارجية تجاه الشرق الأوسط، يعتمد المؤلف على دراسة كتبها أستاذان أميركيان مرموقان من جامعة هارفارد، يتساءلان فيها: إذا لم تكن الحجج الاستراتيجية والأخلاقية تقدم تفسيراً للتأييد الأميركي لإسرائيل، بأكلافه الباهظة جداً، فكيف يمكن تفسير هذا التأييد؟ ويجيبان بالقول إنه يكمن في القوة التي لا تجاريها قوة أخرى للوبي اليهودي. وفي القسم الثاني من الكتاب، يتناول المؤلف الوضع الدولي للولايات المتحدة في ضوء المشهد العالمي القادم وصعود القوى الثلاث: الصين وروسيا والهند، وتأثير ذلك على مكانة أميركا الحالية باعتبارها القطب الأوحد للنظام الدولي. وهنا يعرض أيضاً آراء خبراء أميركيين وتقييمهم لأداء سياسة واشنطن الخارجية وما يواجهها من تحديات. ووفقاً لهؤلاء الخبراء فقد أفلست نظرية الضربات الاستباقية لبوش، وتهاوى مفهوم العمل المنفرد، وتحولت حربا العراق وأفغانستان إلى "أكبر كارثة في السياسة الخارجية الأميركية"، فيما تغير أسلوب التعامل مع الدولتين الأخريين من "محور الشر"، إيران وكوريا الشمالية، من التهديد ومحاولة العزل إلى الدبلوماسية ومحاولة التفاوض. كما أن عملية نشر الديمقراطية في العالم الإسلامي، انطلاقاً من أفغانستان والعراق، تحولت هي أيضاً إلى كارثة؛ فتعرضت للنقد من قبل الحكومات التي اعتبرتها تقويضاً لها، ومن القوى الشعبية التي رأت فيها تدخلا في الشؤون الداخلية لبلدانها. ثم يناقش المؤلف، في القسم الثالث من الكتاب، قضايا دولية مختلفة، فيتعرض للأمم المتحدة مقدماً رؤية خبير استراتيجي هو بول كينيدي لماضي وحاضر المنظمة الدولية والنقاش الدائر حول إصلاحها، وخاصة جهازها الرئيسي مجلس الأمن، كما يناقش قضايا دولية أفرزتها الحرب على الإرهاب، مثل العلاقة بين الإسلام والغرب، والانتشار النووي، وتأثير مكافحة الإرهاب على الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأوضاع الجاليات المسلمة في الغرب.. إلخ. وأخيراً يتناول القسم الرابع قضايا تتصل بإدارة السياسة الخارجية المصرية، وفي هذا الخصوص يدعو المؤلف إلى إنشاء مجلس للأمن القومي يُعنى بقضايا السياسة الخارجية، وببلورة خيارات وبدائل للتعامل مع هذه القضايا، لاسيما العلاقات المصرية الأميركية، والحاجة إلى تطوير أفكار لإدارة العلاقة بين البلدين على أساس قواعد صلبة ومتينة. وبالانتهاء من مطالعة الكتاب، يلاحظ القارئ أن جميع موضوعاته تتمحور، إن بشكل مباشر أو غير مباشر، حول استراتيجيات السياسة الخارجية الأميركية ورهاناتها، الدولية والإقليمة، وما تثيره من ردود فعل مختلفة. محمد ولد المنى الكتاب: نظرات في العلاقات الدولية المؤلف: د. السيد أمين شلبي الناشر: عالم الكتب تاريخ النشر: 2008