لا أحد يدري ماذا سيكون مصير قانون الأنشطة الإعلامية، فبين إشاعات تجميده وأخبار انتظار اعتماده نحن نترقب، وفي كل الأحوال يجب أن نؤكد على مسألة جوهرية وهي أن ما سيتم إقراره سواء أعجب الصحفيين أو لم يعجبهم فهو سيكون محل احترام وتنفيذ الجميع... ورأينا الصريح والمسؤول في القانون قلناه وصار واضحاً ولن أضيف كلمة واحدة على موقفي من هذا القانون فقد وضّحته مسبقاً من خلال هذه المساحة. نحن اليوم نتجاوز مسألة الحديث عن ملاحظاتنا عن القانون ومصير هذا القانون... فهناك موضوع مهم الآن بحاجة إلى تحليل وهو الموقف الصحفي خلال هذه الأزمة -إذا ما صحت التسمية- فما كنا نخشاه ونتمنى عدم حدوثه منذ اليوم الأول للإعلان عن تحفظ ورفض الصحفيين للقانون، يبدو أننا صرنا نعيشه اليوم فلم نكن نتمنى أن نصل إلى حالة الانقسام في الجسم الصحفي الإماراتي، خصوصاً أن أغلب الصحفيين متفقون على أن القانون لا يخدم المهنة بالطريقة التي يتمنونها لكنهم اختلفوا وانقسموا في طريقة تعبيرهم عن هذا الموقف ويبدو واضحاً أن الاعتداد بالرأي والموقف الشخصي كان سبباً في هذا الانقسام. لقد كان واجباً علينا أن نبدي رأينا بوضوح في القانون وقد يلومنا البعض في ذلك الرأي وقد يصفق لنا البعض الآخر وهذه ليست القضية فمسؤوليتنا الأخلاقية والمهنية تحتم علينا أن نقول رأينا بكل صدق وموضوعية. ومنذ اليوم الأول قلنا إننا ومن وضع هذا القانون في مركب واحد ويجب أن نعمل على إيصال هذا المركب إلى بر الأمان. وقد يكون لبعض الصحفيين رأي في القانون وقد يعترض عليه البعض وقد يراه البعض الآخر تراجعاً للحريات... وهذا أمر طبيعي فلكل شخص رأيه ووجهة نظره، لكن يبقى دائماً هناك رأي أخير في هذا القانون وعندما يقال الرأي لا يمكن إلا أن يحترمه الجميع. فكل ما يريده الصحفي هو قانون يساعد على العمل الصحفي اليومي ونحن واثقون أنه لو جلس كل المعترضين على القانون فإنهم قد لا يأتون بقانون يرضيهم جميعاً لأنه من الصعب إرضاء الجميع أولا وثانياً لأن هذا جهد بشري لا يمكن أن يكتمل مهما اجتهد الإنسان فيه ولا أحد يشك في اجتهاد من وضع القانون فالجميع يسعى إلى أن يكون كاملا لكن لا شيء يكتمل. إننا نعيش في بلد تعودنا فيه منذ نعومة أظافرنا أن نقول رأينا بصراحة تامة وبحرية كاملة، وهذا ما حدث أثناء النقاش حول هذا القانون... وتعودنا أن يحترم الكبير رأي الصغير وإن لم يعجبه كما تعودنا أن يحترم الصغير قرار الكبير وإن كان يرى أنه لا يناسبه فهذه المعادلة راسخة في الجميع لأن الجميع يدرك أن هناك قرارا أخيرا سيحترمه، لكن هذا لا يمنع المحاولة المسؤولة من أجل التغيير أو في إبداء الرأي المخالف ولا يمنع أيضاً الاجتهاد في تقديم أفكار جديدة. لقد تطورت الأحداث بشكل ملفت بالنسبة للقانون، ففي 20 يناير الماضي شهدنا موافقة المجلس الوطني الاتحادي على قانون الأنشطة الإعلامية دون تعديلات كان يترقبها الوسط الصحفي... وبعد ذلك بستة أيام، في 26 يناير، اجتمع أعضاء جمعية الصحفيين في أبوظبي لإعلان موقف الجمعية من القانون وملاحظاتهم على بعض مواده... وبعد ذلك بأقل من أسبوعين، 10 فبراير، أعلن 109 أشخاص أغلبهم أعضاء جمعيات نفع عام وأكاديميون وصحفيون، رفع عريضة لصاحب السمو رئيس الدولة لإيقاف إصدار قانون الأنشطة الإعلامية وإعادته للدراسة... ويوم الأحد الماضي 15 فبراير أصدرت جمعية الصحفيين بياناً توضح فيه موقفها من عريضة الـ 109 التي اعتبرتها مسيئة لموقف الصحفيين وجمعيتهم... تطورات سريعة شهدتها الساحة الإعلامية بعد موافقة المجلس الوطني الاتحادي على القانون، لكن ماذا كانت النتيجة بعد تلك العريضة وذلك البيان؟ إلى الآن ليست هناك نتيجة إيجابية بل على العكس فقد كشفت تلك التطورات عن انقسام جديد في الوسط الصحفي ورغم أن هذا الاختلاف ليس أكثر من اختلاف تقني في آليات العمل والتحرك وهو يحدث في أي مكان في العالم وفي أية جمعية فإنه بدأ يأخذ أبعاداً أخرى... ورغم أن مثل تلك الاختلافات غالباً ما تجد من يضع نهاية سعيدة لها فإنه يفترض أن لا تتطور لدرجة تؤثر على العمل العام والمصلحة العامة، إلا أنه في هذه الحالة لم تصل بعد إلى تلك النهاية... رغم أننا أمام قانون مصيري ومهم سيحدد ملامح الصحافة المحلية خلال أجيال قادمة، وكان يفترض أن تختفي كل الخلافات ويجتمع الجميع تحت رأي واحد ولو كان ذلك الرأي أقل من مستوى طموح البعض. لاشك أن هناك جوانب إيجابية عديدة في الحراك الذي شهدناه خلال الثلاثين يوماً الماضية، وهناك جو من الحرية والانفتاح تمت من خلاله مناقشة هذا القانون وهذا أمر يحسب لمن عمل على القانون وكان معه ولمن وقف ضد القانون واختلف معه. لكن بعد أن قام كل طرف بتنفيذ ما هو مقتنع به وما يراه صحيحاً يجب أن نتساءل: هل نجح الصحفيون فيما اجتهدوا فيه حول هذا القانون أم أنهم كانوا أسوأ محام لأعدل قضية؟! ثم لابد أن نجيب على سؤال آخر مهم وهو: من يتحمل مسؤولية هذا الانشقاق؟ الإجابة بكل بساطة: هو من تأخر كثيراً في إبداء رأيه في القانون وانشغل بأمور أخرى أقل أهمية وبالتالي ترك الساحة ليملأها آخرون! والمشكلة أن حال الانقسام هذا ليس الأول بل سبقه حال انقسام سابق وفي الوقت الذي كان الصحفيون ينتظرون شخصاً يهدئ الأمور ويلم الشمل الصحفي، للأسف كان هناك من يزيد الشق اتساعاً بل ويتركه إلى أن وصل اليوم إلى هذه الحالة في الموقف من قانون الإعلام. ولا نبالغ إذا قلنا إنه لو أثيرت قضية أخرى في المستقبل لا يمكن إلا أن نتوقع مثل هذا الموقف لأن صوت العقلاء والمعتدلين لا يسمع. اعتقد أننا اليوم بحاجة إلى حوار داخل جمعية الصحفيين لأنه صار من الواضح أن هذا أكثر ما ينقصنا من أجل تثبيت دور الجمعية وتنسيق عمل الصحفيين. اعتقد أن السؤال الأخير الذي نسمح لأنفسنا بطرحه والذي يطرحه كل من تابع هذه القضية وتطوراتها هو من المستفيد من هذا الانقسام في الجسم الصحفي؟ أترك الإجابة لكم.