اعتقد أنه من المناسب التفكير في التعامل مع تفاعلات الأزمة المالية العالمية والسعي نحو الاستفادة مما توفره من فرص لحل كثير من المشاكل والاختلالات الناتجة عن تواجد العمالة الوافدة في الدولة. دولة الإمارات مثل غيرها من دول العالم، تأثرت سلباً بتداعيات الأزمة المالية، لكن يمكننا أن نستثمر شيئاً من هذه الوضعية لصالحنا إذا تم توظيف الفرصة بشكل مناسب في معالجة خلل التركيبة السكانية وإفرازاته، خاصة وأن محاولاتنا الثلاث السابقة لإحداث التوازن في التركيبة السكانية لم تحقق النجاح المطلوب، بل مع الفورة العمرانية الجديدة ازداد الخلل، فليس كل ما تحمله الأزمة سلبيا بالضرورة، بل يمكننا أن نخرج منها ولو بقليل من الثمرات. لدى الإمارات، حتى مع هذه الأزمة، من الفرص أكثر من أي دولة أخرى في العالم، بما في ذلك أوروبا الغربية. وهناك من يريد تحقيق فرص من خلال هذه الأزمة. فالبطالة في كل مكان، ونحن في الإمارات قد لا يكون من المفيد أن نهتم كثيراً بالرد على ما تنشره وسائل الإعلام العالمية حول مزاعم تصور كما لو أنه لا عمل لأحد في الإمارات سوى الحديث عن هروب العمالة الوافدة أو مغادرتها تاركة سياراتها في المطار! وقد لا يكون عملياً أن نكتفي بالجري وراء وسائل الإعلام العالمية كي نؤكد لها أن عدد الراغبين بدخول الدولة أكبر من الخارجين منها، أو نضطر لإعطاء تصاريح دخول كي نؤكد أن هناك رغبة لدى الكثيرين للعمل في الإمارات. لنترك الأزمة المالية تتفاعل كما هي، وفق منطق السوق، وليخرج من يريد، طالما أن الدولة تحافظ على منجزاتها الاقتصادية الكبرى وتطلع بوظيفتها في تنظيم الداخلين للدولة من الوافدين. من أكثر المفارقات إيلاماً أن يجد المرء أنه حينما يعمل الكل في دول العالم من أجل التقليل من الآثار السلبية للأزمة المالية، بل يبحث البعض عن كيفية للاستفادة منها، نجد ثمة من يمارس عكس ذلك من خلال الإعلان بأن الدولة ستستقبل أعداداً إضافية من الوافدين، ويقدرهم بضعف عدد المغادرين، كرد على ما تتناقله وسائل الإعلام. وأظن أنه إذا كان من الطبيعي أن يكون للأزمة المالية آثارها الاقتصادية على الإمارات، فمن المفترض والمنطقي أن لا يضايقنا ذلك، بل يجب الاعتراف بالآثار إن وجدت، وبوجود الأزمة من حولنا وإعلان الخطط الضرورية لتقليل حجم تأثيراتها، فحالنا في ذلك مثل حال غيرنا من دول العالم. ومن المهم عدم الانزعاج إلى درجة أن يخرج علينا مسؤول أمني كبير ليؤكد أن عدد طالبي تأشيرة الدخول يفوق بحوالي الضعف عدد الخارجين. الكرة الآن في ملعب الإمارات إن هي أرادت حل مشكلة الخلل في التركيبة السكانية، بل المطلوب ضبط النفس وعدم الانجرار وراء الحملات الإعلامية التي تشن ضد إمارة دبي وأن يتم العمل بمنطق أن الأزمة ليست كلها سلبيات بل فيها بعض الإيجابيات التي يمكن الاستفادة منها. والأمل منعقد على استغلال هذه الأزمة للمساعدة على تقليل أعداد الوافدين وبالتالي تقنين عملية الدخول مرة ثانية، خاصة أن الأساس الاقتصادي لدولة الإمارات لديه القدرة على التعويض ومعاودة النهوض ثانية. يحتم علينا المنطق ومصلحة الإمارات أن يكون خروج الوافدين بالأعداد المعلنة وكذلك الذين يتقدمون بطلب إلغاء التأشيرة، فهي من الأخبار الملازمة للأزمة المالية العالمية، خاصة وأن تداعيات الأزمة تشير إلى أنها ستزداد مستقبلا وبالتالي فإن عدد الخارجين سيزداد وبالتالي لا بد أن ننظر إلى هذه الأزمة من منطلق أنها فرصة لما عجزت المبادرات الحكومية السابقة عن تحقيقه. لا ينبغي أن تزعجنا أرقام الاستغناءات عن العمالة الأجنبية لدينا، وليس من المنطقي أن نعتبر هذه الأرقام مؤشراً سلبياً على الأداء الاقتصادي لدينا أو أنها تنال من صورتنا كقبلة للاستثمارات الأجنبية. بقي أن نستغل هذه الأزمة لصالح حالة من التنمية تتحقق على أيدي أبناء الوطن، وأن نقدم جرعات تخدم مسيرة التنمية والحفاظ على هويتنا ودولتنا، وأن نعيد ترتيب أوراقنا... أو أن نجاري التصريحات ونفتح باب التأشيرات لدخول الكل، وبالتالي تهرب من أيدينا فرصة كهذه ويتعمق خلل التركيبة. محمد خلفان الصوافي sowafi@hotmail.com