تنهمر علينا هذه الأيام الأخبار السيئة من كل مكان، مثل إمكانية تجمد سوق الأئتمان، وإمكانية فقدان الملايين لوظائفهم، وإمكانية تحول الركود الحالي إلى كساد. لكن الخطر الذي لا نسمع عنه شيئاً، والذي يمكن أن يفوق في جسامته تلك الأخبار جميعاً، هو الخطر المتمثل في الاحتمال المتزايد لإمكانية وقوع هجوم إرهابي كارثي. وإجراء دراسة دقيقة لأشرطة أسامة بن لادن المصورة، ورسائله، وبياناته على شبكة الإنترنت، توضح لنا أن هدف "القاعدة" يتجاوز مجرد إرهاب الأميركيين، أو طردهم من الشرق الأوسط، وأن ابن لادن يؤمن بأن "القاعدة" يمكن أن تكون سبباً في إسقاط أميركا اقتصادياً، وهو ما جعله يتبنى، من أجل تحقيق هذا الهدف، استراتيجية تستهدف مراكز أميركا المالية، وبنيتها الاقتصادية التحتية. ويتخذ ابن لادن من هجمات الحادي عشر من سبتمبر دليلا على إمكانية نجاح استراتيجيته. ففي شريط مصور له بثته قناة "الجزيرة" في نوفمبر 2004، تباهى زعيم "القاعدة" بأن تنظيمه أنفق 500 ألف دولار لشن هذه الهجمات، في حين أن أميركا "خسرت بسببه 500 مليار دولار على أقل تقدير"، بمعنى أن كل دولار من دولارات "القاعدة"، هزم مليون دولار من دولارات أميركا، بالإضافة إلى فقدان عدد هائل من الأميركيين لوظائفهم جراء الهجوم. واختتم ابن لادن شريطه بالقول: "إن أميركا دولة عظمى ذات قوة عسكرية رهيبة، وإمكانيات اقتصادية هائلة، لكن كل ذلك يقوم على قواعد من القش. لذلك فمن الممكن لنا استهداف تلك القواعد، والتركيز على أكثرها ضعفاً. فحتى إذا ما ضربنا عشرة في المئة من تلك القواعد، فإن الصرح بأكمله سوف يتصدع ثم ينهار في النهاية". والحقيقة أن طموحات الإرهابيين قد تعززت بعد تجربتهم في خوض الحرب ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. فقبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر قال ابن لادن: "لقد اعتاد الناس أن يسألونا: كيف ستهزمون الإمبراطورية السوفييتية؟ في ذلك الوقت، كان الاتحاد السوفييتي قوة جبارة، تخيف العالم بأسره، ولكن أين هو الآن؟ لم تعد هناك في العالم إمبراطورية سوفييتية! لذلك فإن الله الواحد الذي أمدنا بالمدد والعزيمة لهزيمة تلك الإمبراطورية، قادر على أن يمدنا مرة أخرى بمدد وعزيمة من عنده كي نهزم الولايات المتحدة". وبعد الحادي عشر من سبتمبر، أصدر ابن لادن رسالة يتوعد فيه الشعب الأميركي بأن مصيره سيكون مثل مصير السوفييت، الذين هربوا من أفغانستان، ليلعقوا آثار هزيمتهم العسكرية، وانكسارهم السياسي، وانهيارهم الأيديولوجي، وإفلاسهم الاقتصادي". هذه البيانات تقول لنا شيئاً مهما عن العدو: فرغم أن ابن لادن لديه العديد من صانعي القنابل المهرة، ومن خبراء الدعاية الذين يعملون لحسابه، فإنه يفتقر إلى وجود اقتصادي واحد كفء. صحيح أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كلفت أميركا مليارات الدولارات، لكن اقتصادنا المرن القائم على نظام السوق، تمكن من تعويض كل وظيفة مفقودة خلال سنوات قليلة، وهو ما يقطع بأننا سنكون قادرين بنفس الكيفية على النجاة من آثار أي هجوم آخر قد تنجح "القاعدة" في القيام به. لكن الإرهابيين ليسوا في حاجة لأن يكونوا أصحاب حق حتى يتسلحوا بالشجاعة... فمن الواضح مثلا أن الأنباء التي تذاع يومياً عن اضطراباتنا الاقتصادية، تغذي اعتقاد ابن لادن الراسخ بأن أميركا تترنح على حافة هاوية اقتصادية، وأن كل ما يحتاجه الأمر لكي تسقط من تلك الحافة إلى الهاوية العميقة هو مجرد دفعه في الظهر. ومن هنا، فإن الأزمة المالية يمكن أن تكون سبباً لاقناع "القاعدة" بأن الوقت الملائم لضرب الأميركيين قد حان. عن طريق استراتيجية "زيادة عدد القوات"، تمكنا من طرد "القاعدة" من ملاذاتها في العراق. وخلال العام الماضي كثفت الولايات المتحدة ضغطها على معاقل ذلك التنظيم الحصينة في باكستان. كما لقي خمسة من كبار مخططي "القاعدة" العملياتيين مصرعهم في هجمات شنت على مخابئهم في هناك خلال عام 2008، ووصلت إلى ذروتها عندما لقي "أسامة الكيني"، رئيس عمليات "القاعدة" في باكستان، ومساعده الشيخ "أحمد سليم سويدان"، مصرعهما. ويعتبر هذا أعلى معدل للضربات ضد كبار مخططي "القاعدة" العملياتيين منذ بداية الحرب على الإرهاب. وهناك عامل آخر في صالحنا وهو شدة هجمات الحادي عشر من سبتمبر. فمن خلال ضربها للبرجين التوأم والبنتاجون، فإن "القاعدة" وضعت لنفسها سقفاً عاليا للغاية منذ البداية، وبالتالي فأي هجوم تقوم بشنه يقل في نطاقه عن ذلك السقف، سوف ينظر إليه على أنه علامة ضعف. ولعل هذا هو السبب في أننا لم نشاهد هجمات على نطاق أقل من جانب "القاعدة" ضد المراكز التجارية وغيرها من الأهداف" الرخوة" خلال السنوات السبع التي انقضت على وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر. بيد أننا إذا ما نظرنا إلى الموضوع من الزاوية المقابلة، فإن ذلك يمكن أيضاً أن يعني أنه مهما كان الشيء الذي يخطط له الإرهابيون في الوقت الراهن، فإن الاحتمال الأرجح هو أنه سيكون على مستوى يماثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر أو يُقَزِّمها، أي يجعلها تبدو كقزم بالمقارنة معه. إن فشل "القاعدة" في ضرب أميركا مجدداً بعد سبع سنوات من وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر يشكل ضغطاً على الإرهابيين ويدفعهم دفعاً للعمل. وعدم وقوع هجوم كارثي على الولايات المتحدة، مقرونا بالهزيمة التي تعرض لها الإرهابيون في العراق، يرسل رسالة إلى العالم الإسلامي مفادها أن "القاعدة" تخسر حربها ضد أميركا. إذن يمكن القول إن الإرهابيين في حاجة إلى القيام بشيء لافت للنظر لإثبات أنهم لا يزالون يمثلون قوة وتهديداً. وتلهف "القاعدة" المتزايد على ضرب أميركا، وما تدرك أنه ضعف وانكشاف متزايد من جانبنا، يمثل مزيجاً خطراً في حقيقة الأمر. وكل ذلك يوصلنا في النهاية إلى الاستنتاج بأن الوقت لم يحن بعد لكي يبدأ الرئيس الجديد باراك أوباما في تفكيك المؤسسات والوكالات التي كان الرئيس السابق بوش قد أنشأها للمحافظة على أمن أميركا. يجب على أوباما أن يعترف أنه في هذه اللحظة، وفي مكان ما في العالم، يراقب الإرهابيون الاضطراب الاقتصادي في بلدنا، ويخططون لهجوم يعتقدون أنه سيجعل اقتصادنا يركع على ركبتيه. وفي مواجهة هذا الخطر، يجب على أميركا ألا تخفف من درجة يقظتها. مارك إيه. تايسين ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب خطابات الرئيس السابق جورج بوش، تقلد العديد من الوظائف المهمة في البيت الأبيض والبنتاجون ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس انجلوس تايمز و واشنطن بوست"