يعتقد البعض أن "الصفقة الجديدة" أنقذت أميركا من الأزمة الاقتصادية التي ألمت بها في ثلاثينيات القرن الماضي، بينما يجادل آخرون بعكس ذلك. لكن الثابت هو أن معظم المراقبين والمؤرخين والاقتصاديين الذين يناقشون "الكساد الكبير"، متفقون على شيء واحد هو أن الحمائية والعراقيل التجارية، أي "قانون سموت -هولي" للتعرفة الجمركية، ساهم في إطالتها وإدامتها. وقد بات هذا الرأي موضع إجماع إلى درجة أنه غدا سياسة رسمية أميركية. وبنفس القوة، يردد مسؤولون حكوميون في بلدان أخرى من العالم هذا الاعتقاد. ففي الأسبوع الماضي جدد وزراء مالية مجموعة السبعة الكبار "التزامهم المستمر بتجنب التدابير الحمائية التي لن تؤدي -في حال تبنيها- إلا إلى تفاقم الأزمة الحالية". وهو ما وافق عليه وزير الخزانة الأميركي تيم جيثنر الذي قال: "على جميع البلدان أن تواصل الالتزام بانفتاح السياسات التجارية والاستثمارية التي تعد أساسية للنمو الاقتصادي". وكذلك فعل زميله الألماني الذي قال: "سيتعين علينا أن نقوم بكل ما في وسعنا حتى لا يكرر التاريخ نفسه". كل هذا كلام جيد، إلا أنه يجب التنبيه إلى أن ثمة طرقاً كثيرة لاتباع التدابير الحمائية، وكونوا على يقين أن كل واحد منها هو موضوع اختبار حالياً من قبل شخص ما في مكان ما من العالم. ففي روسيا مثلا بدأ العمل بتعرفات جديدة دمرت تجارة استيراد السيارات المستعملة التي كانت مزدهرة من قبل، بينما أصبحت الشائعات حول تعرفات وشيكة -في البرازيل والفلبين- تمثل هاجساً يقض مضجع قطاع الفولاذ أيضاً. غير أن ذلك، على خطورته، لا يعدو كونه مخالفات بسيطة. أما القصة الأخطر، خلال السنوات المقبلة، فستتمثل في انتشار سياسات حمائية أكثر تخفياً وتستراً: تدابير وإجراءات، بعضها قانوني وبعضها غير قانوني، هدفها دعم ومساعدة عمال أو شركات إحدى الدول على حساب عمال أو شركات بلد مجاور. والواقع أن هذا النوع من الألاعيب بدأ منذ مدة سراً في أوروبا، إذ رغم التصريحات المطمئنة لوزراء مالية السبعة الكبار، ورغم قوانين التجارة الحرة التي يفترض أن تكرَّس وتعزز من قبل الاتحاد الأوروبي، فإن الجميع تقريباً يسعى إلى حماية الصناعة الداخلية. فالفرنسيون مثلا لم يمدوا قطاع صناعة السيارات في بلدهم بمعونات كبيرة فحسب، بل حرصوا على أن يوضحوا بما لا يدع مجالا للشك بأن المال ينبغي أن يُنفق في فرنسا. وفي هذا السياق قال الرئيس ساركوزي: "إذا كنا سنمنح قطاع صناعة السيارات المساعدة المالية، فإننا لا نرغب في رؤية مصنع آخر ينتقل إلى جمهورية التشيك"، لكنه أغفل أن يقول إن الفرنسيين والتشيك ينتمون نظرياً إلى نفس منطقة التجارة الحرة، وبينهما حدود مفتوحة. وفي هذه الأثناء، أعلن السلوفاك الذين يعيشون في منطقة التجارة الحرة نفسها، أنه إذا حاول الفرنسيون تجريب أي شيء غير لطيف مع سلوفاكيا، فإنهم سيطلبون من شركة الغاز الفرنسية "غاز دو فرانس" أن تستعد لحزم حقائبها. فمهما يقول وزراء المالية، فإن كل هذه التدابير تحظى بتأييد شعبي كبير بالطبع؛ ولذلك، فالأحزاب السياسية بمختلف ألوانها تراهن عليها في كل مكان. وفي هذا الإطار ضمَّن الكونجرس الأميركي مشروعَ قانون الإنقاذ المالي دعوةً غير معقولة للأميركيين تحثهم على شراء المنتوجات الأميركية، مثلما دعا وزير إسباني مواطنيه إلى شراء المنتوجات الإسبانية. أما في إنجلترا، فأبرز الشعارات التي تُرفع خلال الإضرابات وأكثرها شعبية هو: "الوظائف البريطانية للعمال البريطانيين". وبالتالي، فعلى المرء أن يتوقع صعود أكثر من زعيم سياسي، في أكثر من قارة، إلى السلطة خلال السنوات القليلة المقبلة مستغلاً مشاعر الجمهور المؤيدة للحمائية. غير أن ذلك ينبغي ألا يفاجئ أحداً لأن قانون "سموت -هولي" في نهاية المطاف كان يحظى بالتأييد الشعبي أيضاً رغم توقيع أكثر من 1000 خبير اقتصادي عريضة ضد تمريره. ومنذ ذلك الوقت، يرى المؤرخون أن القانون المذكور ضاعف الأزمة العالمية وفاقمها حيث تراجعت التجارة العالمية بين عامي 1929 و1934 بـ66%. ومع ذلك، فإن ساسة الثلاثينيات كانوا يعرفون الاتجاه الذي تهب فيه الرياح الشعبية وعرفوا كيف يستغلونها. ويمكن القول إن الأمر نفسه ينطبق على ساسة اليوم. وعليه، فلا داعي لمزيد من اجتماعات مسؤولي السبعة الكبار من أجل التحذير من أخطار عالم حمائي، فقد بتنا بالفعل نعيش في عالم من هذا النوع منذ مدة. آن آبلباوم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"