تضمّن "تقرير الموارد البشرية 2007" الذي صدر، مؤخراً، عن هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية "تنمية" ونشرت صحيفة "الاتحاد" ملخصاً له، يوم أمس الثلاثاء، العديد من الأرقام والمؤشّرات اللافتة للنظر التي تحتاج إلى كثير من التأمّل والدراسة من قبل الجهات المعنية بملفّ التنمية البشرية في الدولة. فقد توقّع التقرير أن تنخفض نسبة المواطنين إلى العدد الإجمالي للسكان في الدولة من نحو 21%، وفقاً لإحصاءات عام 2005، إلى نحو 13.3% في عام 2010، في حال لم تطبّق السياسات والإجراءات التصحيحية المناسبة، وأن يصل عدد السكان إلى 7 ملايين و104 آلاف و695 نسمة، منهم نحو ستة ملايين ونصف المليون من غير المواطنين، إذا لم يدخل أي تغيّر على الاتجاهات الماضية التي تشير إلى زيادة ملحوظة في معدّل نمو الوافدين، وأن تبلغ قوة العمل المواطنة 420 ألفاً في عام 2010. هذه الأرقام المهمّة التي جاءت في تقرير لهيئة معنيّة بشكل مباشر بقضية الموارد البشرية بأبعادها كلها وتفريعاتها، تعني أكثر من معنى. أول هذه المعاني أن التفاقم في خلل التركيبة السكانية يظلّ خطراً قائماً خلال السنوات المقبلة، لكنه ليس حتمياً أو قدراً لا يمكن الفكاك منه، خاصة أن هناك من الخطط والاستراتيجيات التي يمكن من خلال تطبيقها بفاعلية التغلّب على هذه المشكلة ومعالجتها. الأمر لن يتمّ بسهولة أو في وقت قصير ولكن المهم أن الإرادة أصبحت قائمة بقوة والإحساس بالأخطار الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والأمنية، لخلل التركيبة السكانية، قد أصبح عامّاً وعميقاً. المعنى الثاني هو أن سكان الإمارات يتزايد عددهم بمعدلات كبيرة، وهذا يستدعي امتلاك رؤية مستقبلية واضحة حول طريقة التعامل مع هذه الزيادة خلال السنوات المقبلة، خاصة فيما يتعلّق بالبنية التحتية والخدمات والتوسّع العمراني وغيرها. في هذا الإطار فإن هناك بالفعل خططاً مهمّة تأخذ هذا الأمر في اعتبارها وتعمل على الاستعداد له، لعل أبرزها "خطة أبوظبي 2030: المخطط الإطاري للبنية العمرانية" التي تتوقّع أن يصل عدد سكان أبوظبي إلى نحو ثلاثة ملايين نسمة في عام 2030، ولهذا تتضمّن العديد من المحاور العمرانية الخاصة بالتعامل مع هذه الزيادة. ويندرج في إطار الاستعداد للمستقبل أيضاً توجّه الدولة إلى امتلاك طاقة نووية للأغراض السلميّة يمكن أن تلبّي حاجات التنمية والاستهلاك المتصاعد للطاقة في ضوء الزيادة في عدد السكان. هناك أيضاً "الرؤية الاقتصادية 2030 لإمارة أبوظبي" التي تستهدف تحوّل اقتصاد الإمارة إلى اقتصاد قائم على المعرفة وتقليل الاعتماد بشكل تدريجي على النفط. المعنى الثالث هو معنى إيجابي يتعلّق بزيادة القوة العاملة المواطنة في إطار سمة أساسية للمجتمع الإماراتي هي أنه مجتمع شاب، وهذا يخدم خطط التوطين وسياساته، ويلبّي حاجات التنمية المحلية المتصاعدة من قوة العمل، لكنّه في الوقت نفسه يرتّب مسؤوليات ومهام كبيرة على الجهات المعنيّة بإدارة الموارد البشرية المواطنة، لأن تعظيم إيجابيات هذه الزيادة في الموارد البشرية المواطنة يتطلّب تنميتها وإدارتها بشكل علمي وإدماجها في سوق العمل لتتحوّل إلى أيادٍ منتجة وقيم نوعية مضافة تسهم في عملية التنمية وتحلّ في ذلك بدلاً من العمالة الوافدة. وفي ظلّ الطموحات التنموية الكبيرة للإمارات، فإن الدولة بحاجة إلى كل عنصر بشري مواطن للمشاركة في دفع مسيرة التقدّم فيها إلى الأمام، والتغلّب على المشكلات والإفرازات التي قد يثيرها هذا العدد الكبير من العمالة الوافدة على المستويات المختلفة. ـــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست".