يبدو أن بعض مؤسسات القطاع الخاص في الإمارات تحاول استغلال أي مناسبة للتخلّي عن توظيف المواطنين أو إنهاء خدماتهم. فبعد عمليات التحايل على نسب التوطين المقرّرة من قبل الحكومة، وممارسات التوطين الصورية أو الورقية، يأتي استغلال ظروف "الأزمة المالية العالمية" من قبل هذه المؤسسات للإقدام على فصل أو التهديد بفصل المواطنين لديها، وهناك الكثير من الشكاوى التي قدّمت إلى الجهات المعنية بهذا الخصوص خلال الفترة الماضية. لا يمكن التشكيك في الآثار السلبية للأزمة المالية في القطاع الخاص في الدولة، إلا أن هذا لا يمكن أن يكون مبرّراً مقنعاً أو منطقياً لاستغنائه عن المواطنين العاملين لديه في ظلّ أمور مهمّة عدّة، أولها أن عدد المواطنين العاملين في القطاع الخاص لا تتجاوز نسبته 1% من مجموع العاملين في هذا القطاع، الذين يبلغ عددهم نحو ثلاثة ملايين شخص، وهذا يعني أن نسبة المواطنين في هذا القطاع ضئيلة أصلاً ولا تمثّل أي عبء عليه في ظلّ "الأزمة المالية العالمية". الاعتبار الثاني هو أنه إذا كان لابدّ من تخفيض عدد العمالة لأسباب اقتصادية تتعلّق بالأزمة الحادثة في العالم، فإن المنطقي أن يتركّز هذا التخفيض على العمالة الأجنبية وليس على العمالة المواطنة، فليس من المعقول أن يكون المواطنون هم أول من يدفع ثمن الأزمة المالية، وأول من يفقد وظائفهم، بينما القطاع الخاص متخم بملايين من العمالة الوافدة. الاعتبار الثالث هو أن الاستغناء عن العمالة المواطنة في القطاع الخاص يأتي في الوقت الذي تعطي فيه الدولة أهميّة كبيرة لعملية التوطين والهوية الوطنية، وتنفذ العديد من الخطط والاستراتيجيات الهادفة إلى معالجة خلل التركيبة السكانية، ولهذا فإن هذا السلوك يناقض التوجّهات العليا للدولة ويضرّ بخططها وأهدافها الوطنية. الاعتبار الرابع هو وجود بطالة بين المواطنين، ومنهم حملة شهادات عليا مثل الدكتوراه والماجستير، وبالتالي فإن التوجّه العام يجب أن يكون لمصلحة توظيفهم وليس فصلهم من أعمالهم. في ضوء ما سبق فإن وقفة قوية مطلوبة في مواجهة فصل أي موظف مواطن مهما كانت المبرّرات، وفي هذا الإطار تأتي أهميّة التوجّهات التي أعلنتها وزارة العمل، مؤخراً، والخاصة بالاتجاه إلى إصدار قرار قريباً يمنع الاستغناء عن خدمات الموظفين المواطنين في القطاع الخاص إلا وفق آليات وإجراءات معيّنة تمنع تفاقم هذه الظاهرة، كما تبرز أهمية التحرّكات التي تقوم بها "هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية" (تنمية) التي أعلنت، مؤخراً، أنها لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة عمليات الاستغناء عن المواطنين في القطاع الخاص، وأنها أحالت إلى وزارة العمل مقترحاً بمشروع قانون يضع ضوابط وقيوداً على هذه المسألة. الأرقام والتقارير تشير إلى أن الاستغناء عن المواطنين في القطاع الخاص لم يتحوّل إلى ظاهرة، وأن عدد الشكاوى التي وصلت إلى وزارة العمل في هذا الشأن، حتّى الآن، قليلة، إلا أن هذا لا ينفي خطورة الأمر، فمن ناحية أولى يجب أن يكون المواطن هو أول من يتم توظيفه وآخر من يتم الاستغناء عنه في أي شركة أو مؤسسة، ومن ناحية ثانية فإن الحالات تبدأ قليلة، وإذا لم يتم التصدّي لها بقوة وحزم سوف تتصاعد بشكل خطر، خاصة أن بعض مؤسسات القطاع الخاص لديها توجّهات رافضة لتوطين الوظائف أو تشغيل المواطنين وتحاول استغلال أي مناسبة لاختلاق المبرّرات الزائفة من أجل وضع هذه التوجّهات موضع التنفيذ.