بغض النظر عن الحزب الفائز في الانتخابات الإسرائيلية، فإن ما يحدث من انتخابات ديمقراطية في بلد عدو يُعدّ شيئاً مؤلماً للمثقفين العرب الذين يتمنون لو أن النظام الديمقراطي القائم في إسرائيل اليوم يقابله مثيل في البلاد العربية. ما هي إسرائيل؟ مجموعات بشرية من شذّاذ الأرض تجمعوا في بقعة أرض عربية، وقرروا إقامة دولتهم اليهودية على أشلاء وجماجم وأجساد الناس الأبرياء من الفلسطينيين، في وقت كان يوجد فيه ما لا يقل عن اثني عشر كياناً سياسياً عربياً ومجتمعاً عربياً مستقراً. وبحلول عصر الاستقلال العربي بعد بداية الخمسينيات كانت هناك دول عربية تفوق العدو الصهيوني عدداً في السكان ووفرة في الموارد المادية، ولكن بعد مرور ستين عاماً على النكبة، أين أصبحوا، وأين أصبحنا؟ بل كيف أصبحوا، وكيف أصبحنا؟ أصبحت إسرائيل دولة واحدة، وأصبحنا اثنتين وعشرين دولة. أصبحوا أفضل تعليماً وأفضل تنظيماً لحياتهم، وأفضل في مجال البحث العلمي وفي الحريات الفكرية والقوة الاقتصادية والعلاقات السياسية ونجاحهم في إقامة نظام ديمقراطي لا مثيل له في أي بلد عربي، وقوة عسكرية لا يُستهان بها. أصبحت الصهيونية دولة قائمة، وأصبح العرب دولاً نائمة. لكن ما يهمنا حقاً في هذا المقال، النظام الديمقراطي الذي أصبحنا نتمنى مثيله أو حتى نصفه في عالمنا العربي المهترئ اليوم بالقبلية والطائفية والاستبداد السياسي. في النظام الديمقراطي الإسرائيلي يقوم البرلمان (الكنيست) المنتخب باختيار رئيس الدولة. يتم اختيار رئيس الوزراء من الشعب، وهو بدوره يقوم باختيار وزرائه الذين تم انتخابهم من الشعب. تتم الانتخابات الإسرائيلية في مناخ من الحريات السياسية القائمة على الشفافية، وحيث يعرف الشعب بكل فئاته، لأنه لا توجد فئة مستثناة من الانتخابات مثل القوات العسكرية، بل حتى المرضى النفسيون يُعطى لهم حق الاقتراع إن تمكنوا من ذلك. لا تجد في هذه الانتخابات أي عنف من السلطة، أو محاولة منع لفئة معينة لأسباب دينية أو اجتماعية من الإدلاء بأصواتها. لا تقرأ في الصحف الإسرائيلية عن محاولات تزوير للأصوات أو جرحى أو قتلى عند المراكز الانتخابية. لا تتدخل السلطة في الانتخابات لتزوير النتائج لصالح حزب ما أو قبيلة ما أو طائفة ما. في ظل النظام الديمقراطي تتم محاسبة كل مواطن إسرائيلي حتى ولو كان رئيس الدولة (تمت إقالة الرئيس الإسرائيلي بسبب اتهامه بالتحرش الجنسي!!). في ظل النظام الديمقراطي الجميع تحت طائلة القانون وبشكل متساوٍ، لا فرق بين رئيس الوزراء أو المواطن العادي. يقول الفقيه ابن تيمية رحمه الله "إن الله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الدولة المؤمنة إذا كانت ظالمة". ألسنا كعرب، نرى أنفسنا في هذه القاعدة العادلة العظيمة، حين تكون لدينا انتخابات حيث التلاعب بالأصوات الانتخابية، وتزوير النتائج، ونسبة الـ99 في المئة للسيد الرئيس!! لا نمدح النظام الإسرائيلي حباً فيه، بل أسى على ما نحن فيه من تدنٍّ وتدهور في القيم الأخلاقية، حيث لا تتم محاسبة المرتشين والمخطئين إذا كانت لديهم واسطة قبلية أو طائفية أو علاقات شخصية، أو إذا ما كانوا من المتنفذين اجتماعياً وسياسياً. لا توجد ولا دولة عربية واحدة تضاهي وتنافس إسرائيل في مجال الشفافية والمحاسبة للمسؤولين، أو في كفاءة النظام الانتخابي، وبعد كل هذا السوء من جانبنا، نتعجب كيف تنتصر إسرائيل على جميع الدول العربية مجتمعة!