وقع بين يديَّ عددٌ من صحيفة عربية صدرت منذ أكثر من ثلاثين عاماً، لم تسترعِ انتباهي فروق الطباعة ونوعية الورق وطريقة الإخراج المختلفة تماماً والمتأخر عما تشهده صحافتنا العربية هذه الأيام، ما لفت انتباهي أكثر هو ذاك التشابه القريب من الكمال بين موضوعات الأمس سياسياً واقتصادياً واجتماعياً والموضوعات مدار أحاديث الناس في زمننا هذا. لنأخذ أمثله على ما نقول: في عدد العقود الثلاثة الماضية كان هناك خبر عن أزمة الرغيف ووقوف طالبي الخبز في طوابير طويلة منهكة، وهو نفس الحال الذي نشاهده في بعض عواصمنا العربية هذه الأيام، والفروق الوحيدة هي التجاعيد التي غزت وجوه من عاشوا قبل ثلاثين عاماً، أو التي ستغزو بلا محالة شباب هذه الأيام جراء ما يحدث قبل تلك الطوابير التراثية وأثناءها وبعدها! في الجريدة -إياها- هناك خبر عن عزم حكومة -ما- بالضرب بيد من حديد على التجار الجشعين المختطفين للقمة عيش الشعوب، طبعاً هذا لم يحدث على الإطلاق والدليل هو تكرار هذه النوعية من الأخبار حتى يومنا هذا. ورد في عدد الصحيفة القديمة تقرير عن برنامج مستهدف تنوي القيام به جمهورية عربية لتقليص الفوارق بين طبقات الشعب الواحد؛ أما نتيجة هذا البرنامج وخطوات العمل، فما نراه الآن وبعد عقود من التقرير المشار إليه من اتساع لهوة الفروق بين الطبقات بصورة مخيفة بشعة، إلى حد ألاَّ طبقة وسطى تقريباً... فقط طبقتان: واحدة غنية فاحشة الثراء، وطبقة مسحوقة تئن من الدَّين وكرب الحياة إلى حد الانفجار. خبر فني في الصحيفة القديمة المتهالكة الورق عن حصول مطربة -لا داعي لذكر اسمها- على أجر فني مرتفع بقياس ذاك الزمان مقابل تمثيلها وغنائها في فيلم استعراضي، وختم الخبر بعلامات تعجب عديدة، أما الآن فيجب ألاَّ توضع تلك العلامات التعجبية إلا في حالة عدم استلام المطرب أو الممثل (الفلاني) لأجرته التي لا يمكن عد أصفارها من اليمين، أما الرقم قبل ذلك فسر مخفي دفعاً للحسد والكلام الذي له ألف معنى! هناك خطط كثيرة لدى العرب للقضاء على التصحر وتوسيع رقعة الأراضي الخضراء، أما الدليل على هذا فهو ما قرأته في عدد صحيفة ما قبل ثلاثين عاماً وما أقرؤه الآن؛ وأما نتيجة هذه الجعجعة بعد كل هذه السنين، فهي طحين زيادة الرمال البيضاء والحمراء والغبار الكثيف وغابات (الباطون) التي جعلت السماء مثل الأرض... هباباً قاتلاً! اجتماعات عديدة كشفت عنها الصحيفة العتيقة وكان محور الاجتماعات تنشيط الصادرات المحلية وتقليل الواردات من الخارج، أما نتيجة كل هذه الاجتماعات المتواصلة -حتى الآن- فهو ذاك العجز ذو الرقم المخيف لحجم الميزان التجاري بين العالم العربي ودول تزرع الموز ودول أخرى تركب الأفيال وتعبد البقر وتقدس الأصنام! التنسيق بين الفصائل الفلسطينية توطئة للقضاء على العصابات الصهيونية على قدم وساق، هذا ما نشرته صحيفة ما قبل الثلاثين عاماً، أما ما هو مضحك في وقتنا الحاضر -والمبكي في الوقت نفسه- فهو أن الخلاف القديم بين المنظمات والفصائل الفلسطينية، والذي كان حبيس الغرف ويقتصر على التراشق بطفايات السجائر والكلمات ذات العيار الثقيل، تحول إلى دويلات فلسطينية متحاربة يديرها هذا الفصيل أو ذاك... وعملتها الرئيسية الشيكل الإسرائيلي! أما أمين الجامعة العربية -حسب صحيفة ما قبل الثلاثين عاماً- فينوي القيام بجولة عربية للأْم التضامن العربي، وتجاوز الخلافات، ولتفعيل التنسيق المشترك ضد أطماع العدو الإسرائيلي؛ طبعاً الجولة لم تنتهِ منذ ذلك الحين على رغم اختلاف اسم الأمين العام ومكان المقر ونوعية الخلافات وأطرافها! أولمبياد أواخر السبعينيات من القرن الماضي لم يحقق فيه العرب سوى ذهبية واحدة وثلاث فضيات ومثلها برونزية، وفي إحدى صفحات العدد (التاريخي) ريبورتاج عن فتح وزارات الرياضة والشباب في العالم العربي تحقيقات حول الإخفاق الرياضي العربي المُخجل، ووعود المحقق معهم والـمُساءلين بتحقيق إنجازات باهرة في الدورة المقبلة، وأن هذا وعدٌ لاشك فيه؛ أما إن أردتم التحقق من صدقيه الوعود ونتائج المكاشفة وورش أعمال إزالة العوائق أمام الرياضة العربية حتى تحقق النتائج المشرفة والمأمول منها أمام أعين العالم كله، إن أردتم التحقق -مرة أخرى- فعودوا لنتائج دورة بكين صيف 2008 لتعرفوا أن سباحاً واحداً من بلد واحد أجنبي جمع ميداليات تعادل ما جمعه العرب من الذهب منذ عدد الصحيفة التاريخي وحتى الدورة المقبلة سنة 2012 إن طال بنا العمر! ما كُتب في عدد الصحيفة القديمة كلام في الهواء طار وتبدد... وعاد ليكتب من جديد في أعداد صحف العرب هذا اليوم، والتي يكتب واحدٌ منهم هذا المقال، وهو جالس تحت لوحة كتب عليها قولنا العربي المأثور جداً (الصبر مفتاح الفرج).