أظهرت دراسة أجراها علماء جامعة "ساوثامبتن" (Southampton) ببريطانيا أن كثيراً من النساء يتجاهلن النصائح الأساسية حول الغذاء الصحي والعادات الشخصية السليمة في فترة ما قبل الحمل، حتى إذا ما كان هذا الحمل مخططاً ومرغوباً فيه. أي أن هؤلاء النساء يسعين ويرغبن في فترة ما في حياتهن في الحمل، ولكن على رغم ذلك يتجاهلن خلال تلك الفترة اتباع نظام صحي غذائي، أو ممارسة عادات صحية سليمة. فمن خلال إجراء استبيان على أكثر من 12 ألف امرأة، اكتشف العلماء أن عدداً صغيراً فقط ممن حملن خلال فترة الدراسة، كن يحصلن على كميات كافية من حمض الفوليك مثلاً في غذائهن، أو أنهن قد امتنعن عن التدخين قبل فترة الحمل. وتعتبر التغذية الجيدة قبل الحمل، من أهم العوامل في التأثير على صحة المرأة أثناءه، وعلى سلامة وصحة الطفل أثناء الحمل وبعد الولادة. وتتأتى هذه الأهمية من حجم المصادر الغذائية التي تتطلبها عملية التكاثر برمتها، بداية من الإخصاب، ثم الحمل، ثم الولادة، وفي النهاية إرضاع ورعاية المولود الجديد. ولذا تعتبر فترة ما قبل الحمل، فترة مهمة في بناء مخزون داخل جسم المرأة من المعادن والمركبات والفيتامينات الغذائية الأساسية، التي ستحتاجها المرأة والطفل خلال عملية التكاثر والنمو. ويمكن تقسيم الأهداف المرجو تحقيقها من التغذية الجيدة قبل الحمل إلى هدفين رئيسيين؛ الأول هو تجنب أية عوامل قد تعيق أو تمنع الإخصاب والحمل من الأساس، والثاني توفير جميع العناصر الغذائية التي تضمن حمل وولادة طفل سليم يتمتع بصحة جيدة. وتندرج تحت الهدف الأول الرامي إلى تجنب ما قد يعيق الحمل والولادة السليمة عوامل مختلفة لابد من علاجها أولاً، مثل اضطرابات الشهية المرضية (Anorexia or Bulimia)، أو وجود اختلال شديد في وزن الجسم، سواء على صعيد النحافة أو السمنة. فمن المعروف أن النساء المصابات بالنحافة الشديدة أي مؤشر كتلة جسد أقل من 20.8 ، أو أولئك للواتي يتمتعن بوزن زائد أو سمنة مفرطة -مؤشر كتلة جسد أكثر من 30- تعانين من انخفاض الخصوبة وصعوبة الحمل. ويعتقد العلماء أن سبب صعوبة حمل البدينات يعود إلى انخفاض حساسية الخلايا لهرمون الأنسولين، وانخفاض تركيز الهرمونات الجنسية، مما يؤثر سلباً على حيوية البويضة، وقدرتها على تكوين جنين إذا ما تم الإخصاب. وبوجه عام يعتبر مؤشر كتلة جسد ما بين 20 إلى 26، هو الأفضل لزيادة فرص حدوث الحمل. وبخلاف الوزن المثالي، تهدف التغذية قبل الحمل لتزويد الجسم باحتياجاته من الميكرو- نيوتريانت (Micronutrients)، التي أحياناً ما تعرف بالمعادن، وهي مغذيات أساسية وضرورية، يحتاج الجسم لكميات ضئيلة جداً منها لأداء وظائفه بشكل سليم، وللبقاء على قيد الحياة من الأساس، مثل عنصر الحديد، والكوبالت، والنحاس، واليود، والمنغنيز، والسيلينيوم، والزنك، وغيرها. أما الفيتامينات، التي تعتبر أيضاً ميكرو- نيوتريانت، فهي مركبات كيميائية عضوية، يحتاجها الجسم بكميات ضئيلة كذلك، ولا يمكنه تصنيعها داخلياً، ولذا فلابد من الحصول عليها من الغذاء. ومن ضمن مجموعة الفيتامينات تلك، يحتل حمض الفوليك أو فيتامين (B9) أهمية خاصة أثناء الحمل، بسبب دوره الحيوي في إنتاج الخلايا الجديدة، والحفاظ عليها لاحقاً. ولذا يؤدي نقص هذا الفيتامين في المراحل العمرية التي تشهد إنتاجاً متسارعاً للخلايا الجديدة، كما هو الحال أثناء فترة الحمل والطفولة، إلى مضاعفات وعيوب خلقية خطيرة، من أشهرها الحالة التي يولد فيها الطفل دون أن يكتمل نمو العمود الفقري والحبل الشوكي (Spina Bifida). ويتواجد حمض الفوليك أو فيتامين (B9) في شكله الطبيعي، في العديد من الخضروات الورقية، مثل السبانخ، ونبات اللفت الأخضر، والبازلاء، والبقوليات المجففة. وتتم حالياً إضافة فيتامين (B9) للعديد من حبوب الإفطار، كرقائق الذرة أو "الكورن فليكس"، وبمقدار 25% إلى 100% من الجرعة اليومية الموصى بها. والفيتامين الآخر الذي يلعب دوراً مهماً قبل وأثناء الحمل، هو فيتامين (B12)، المعروف أن نقصه قد يؤدي إلى تدهور الخصوبة، وبعض المشاكل الصحية الأخرى. أما فيتامين (D) الشهير، فبخلاف أهميته أثناء الحمل من خلال الوقاية من تشوهات عظام الحوض التي قد تؤدي إلى تعثر الولادة وانسدادها، فهو يؤثر أيضاً على صحة عظام الأطفال في سنوات حياتهم الأولى، ويقيهم من مرض لين العظام وتشوهها المعروف بالكساح (Rickets). وقد ظهر مؤخراً التأثير النسبي لنقص فيتامين (D) أثناء الحمل، من خلال دراسة أجراها علماء جامعة بريستول ببريطانيا، أثبتت أن الأطفال الذين يولدون في نهاية شهر الصيف، أو بداية شهر الخريف، غالباً ما يكونون أكثر طولًا، وأحسن صحة، من الأطفال الذين يولدون في فصلي الشتاء والربيع. ويفسر العلماء نتيجة هذه الدراسة التي أجريت على سبعة آلاف طفل، على أنها ربما تكون بسبب تعرض الأمهات الحوامل خلال فصل الصيف، لقدر أكبر من أشعة الشمس. ومن المعروف أن تعرض الجلد لأشعة الشمس يعتبر المصدر الرئيسي لحصول الجسم على فيتامين (D) الضروري والمهم في بناء عظام قوية ومتينة. ويرجح العلماء أن هذه العملية، ربما تبدأ أيضاً أثناء وجود الجنين في بطن أمه، مما يمنح الطفل عظاماً أطول وأقوى عند ولادته، وخلال سنوات حياته الأولى. وكل هذه التأثيرات للفيتامينات والمعادن، تظهر مدى ضرورة الاهتمام بغذاء الأم، ليس فقط مع إدراكها لوجود جنين في بطنها، وإنما أيضاً في الفترة التي تستعد فيها لهذه المرحلة المهمة من حياتها.