لفت انتباهي برنامج تليفزيونيّ كان يتناول موضوعاً غاية في الأهمية، عن عزوف الشباب عن تعلّم اللغة العربية الفصحى، وتخليهم عن قراءة الكتب العربية، مقابل عشقهم للغة الانجليزية ولأغانيها وأفلامها. استضافت المحاورة شريحة من الشباب العربي من الجنسين، وسألتهم عن الأسباب التي دفعتهم إلى هجر لغتهم الأم على حساب لغة دخيلة على مجتمعاتهم! أليس في هذا تنكّر لعروبتهم، ونزع لهويتهم؟! هل إلى هذا الحد أصبحت لغتهم العربية عاجزة في التعبير عن مشاعرهم وتلبية مطالبهم؟! كانت إجابات الشباب متقاربة. فهناك فتاة خليجية اعترفت ببساطة أن اللغة الانجليزية تساعدها كثيراً في تعاملها مع الآخرين بحكم أن بلادها تعتمد اعتماداً كاملاً على العمالة الآسيوية في الكثير من القطاعات بما فيها مراكز التسوّق، وقوائم الأكل بالمطاعم، وأنها لو لم تكن متمكنة من هذه اللغة لأصبحت عاجزة عن تلبية مطالبها الشخصية! وشاب أكّد بأن حرصه على اتقان اللغة الإنجليزية يعود إلى رغبته في الحصول على وظيفة جيدة بعد تخرجه من الجامعة، كون القطاعات الخاصة بلا استثناء تشترط على المتقدّم لإحدى وظائفها اتقان اللغة الإنجليزية. وآخر برر تعلقه بها أنها فتحت أمامه آفاقاً واسعة لإنشاء صداقات مع شباب من مختلف أنحاء العالم، وعلى إقامة حوارات معهم والتعرّف على ثقافاتهم. لفت انتباهي في مجمل الإجابات، الرد الذي أدلى به أحدهم في تبرير تعلقه باللغة الإنجليزية، أنه تعلّم هذه اللغة من تلقاء نفسه، من خلال مواقع تعليم اللغة الإنجليزية المتواجدة بكثرة على شبكة الإنترنت، ومن خلال سماعه المستمر للأغاني الناطقة باللغة الإنجليزية. متابعاً بتهكّم... ماذا قدّمت لي عروبتي؟! لا شفافية في عالمنا العربي. كل شيء مُعتّم عليه! وحين أريد التأكد من معلومة أدسَّ وجهي في صفحة الإنترنت وأحصل على المعلومة التي أريدها. كما أن مجتمعاتنا بعيدة كل البعد عن همومنا كشباب له تطلعاته، ويكفي بأن الأغنية الناطقة باللغة الإنجليزية قادرة على طرق قضايا الإنسان، واستخدامها في نقد أوضاع العالم. انظري إلى أغانينا، ستجدين بأنها لم تزل تدور في دائرة الحب، وعن الهجر ولوعته. لا يوجد لدينا للأسف فن إنساني عربي. أحرص دوماً على سماع آراء الشباب لأنهم أمل الغد. وعلى الرغم من استهجان الكثير من الناس للشباب، في هجرهم وضجرهم من لغتهم العربية الفصحى، فإننا لا يجب أن نلقي اللوم عليهم كاملًا! فهناك دور الأسرة التي لا تُشجّع الابن منذ نعومة أظافره على القراءة من خلال تخصيص يوم لقراءة كتاب عربيّ شيّق. كما أن مؤسساتنا التعليمية التي تضع رقابة صارمة على الكتب، لا تُرغّب الشباب في القراءة بتعويدهم على زيارة المكتبة المدرسية ولو لمرة واحدة في الأسبوع. والأهم من هذا وذاك أن أصحاب الاختصاص من الأكاديميين لم يضعوا خطة جادة لإخراج اللغة العربية من قالب الجمود، وتحريرها من بعض قواعدها اللغوية السقيمة حتّى تدفع الشباب إلى حبّها والتعلّق بحروفها. إضافة إلى أن فنانينا باستثناء قلة منهم، ما زالوا يدورون في نفس دائرة المواضيع القديمة المتصلة بقضايا حب الرجل والمرأة، غير مبالين بقضايا الإنسان الأخرى. وأذكر عند بداية الحرب في العراق أن شاهدت على موقع "اليوتيوب" أغنية لشابة تُغني ضد هذه الحرب، منتقدة في كلمات مؤثرة سياسة الرئيس الأميركي السابق بوش في العراق داعية إلى السلام. أعلم أن لغتنا جميلة، لكن الجمال وحده لا يكفي، وهناك نساء جميلات في العالم لم يستطعن ترك بصمة في مجتمعاتهن رغم مظهرنَّ المغري! هناك نساء متوسطات الجمال قلبن مجتمعاتهن إيجاباً رأساً على عقب بعقلهن وطريقة تفكيرهن. وهذا ينطبق فعليّاً على لغتنا الفائقة الجمال التي لم تُغيّر ثوبها ولا المساحيق الموضوعة على وجهها منذ نشأتها! الحياة يكمن جمالها في التجديد والتغيير، فلماذا نتهيّب منه حين يتعلّق الأمر بلغتنا، كأنها شيء مُؤْله لا يجب المساس به! مجرد دعوة صامتة.