ينظر البعض إلى الثورة في بلاد فارس، التي يطلق عليها البعض خطأ الدولة الإيرانية، وكأنها "الباب العالي" أو "ولي النعم" أيام حكم الخديوي في الأستانة إبان الخلافة العثمانية، فطلباتها أوامر، وما تحلم به يجب تنفيذه، وسلطتها ومصالحها وأهواؤها محترمة من كبير الأحزاب الإسلامية الشيعية إلى أصغرها من السنية، فهي الحاكم بأمره في هذا الزمان الذي تخلى فيه العرب عن دورهم وتنازلوا عن مكانتهم وتناسوا مصالحهم المشتركة ونسوا انتماءهم وازدادوا فرقة وانقساماً فتكالبت عليهم الأمم كما يتكالب النمل على صحن العسل. رغم مرور نحو ثلاثين عاماً على الثورة الشيعية في بلاد فارس، فإنها لا تزال تبحث عن توصيف لها هل هي ثورة في دولة أو دولة في ثورة؟ وبين المفهومين اختلاف كبير لا يحسمه ما أعلنه الرئيس أحمدي نجاد منذ أيام معدودة من أن الثورة الشيعية لن تتوقف عند حدود بلاد فارس، وهذا يعني ملاحظتين؛ الأولى ذات بعد زمني أي أن الثورة مستمرة، والثانية ذات بعد جغرافي هو أن الثورة يجري تصديرها إما بالتشجيع المعنوي ورفع الشعارات أو بالدعم المادي والتدريب والتسليح. والسؤال الذي يجب أن يثار هنا هو: ما مصلحة ثورة بلاد فارس في كل هذا؟ فالثورات لا تقدم الدعم والمساندة للآخرين عبر الحدود لوجه الله أو زكاة عنها. إذن فاستمرار "الثورة الدولة" أمر تحكمه المصلحة الأيديولوجية والدينية والسياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، فالثورة الشيعية في بلاد فارس أثناء سعيها للاعتراف بثوريتها من جانب وأنها قوة إقليمية كبرى من جانب آخر، تطلب هذا الاعتراف من القوى الدولية الكبرى وعلى رأسها "الشيطان الأكبر" (الولايات المتحدة الأميركية)، والقوى الإقليمية المنافسة وعلى رأسها إسرائيل، لكن الأمر يحتاج إلى أن تكون هذه الثورة قوية اقتصادياً واجتماعياً وتكنولوجياً وعسكرياً، ونتيجة لأن الثورات في اندفاعها الثوري تقضي على الأخضر واليابس فإنها لم تُعر اهتماماً لأي من القوى الشاملة للدولة وركزت جل جهدها للقوة العسكرية وخاصة غير التقليدية فمن خلالها تحصل على الاعتراف المطلوب إما بالابتزاز أو بالتهديد أو بكليهما. إلا أن طريقها للحصول على الأسلحة غير التقليدية، خاصة النووية منها، غير مفروش بالورود، فالعالم يدرك تماماً طموحات الثورة في بلاد فارس، لذلك قررت إشغال العالم وجره إلى أزمات ومشكلات ومهاترات جانبية بعيداً عن توجهها الأصلي، لذلك كان لزاماً عليها أن تبحث عن أتباع لهذه الثورة، سواء في الداخل أو الخارج، ولم يكن أمامها سوى تبني "استراتيجية الفوضى الإقليمية" التي تعلمتها من واشنطن، و"التقية السياسية". وكان من السهل عليها إثارة أتباعها في الداخل فلم يتوان مستشار المرشد الأعلى للثورة حسين شريعتمداري عن إطلاق العنان لخياله المريض مدعياً أن مملكة البحرين جزء من إيران اقتطع بالقوة من الجسد الفارسي، وأن الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، وتسعى إلى فرض الأمر الواقع عليها، هي أيضاً جزء لا يتجزأ من الأرض الإيرانية، وقد حذا حذوه بعض أعضاء "مجلس شورى" الثورة، ونحن لا نلوم هذا الخرف التاريخي و"الزهايمر" السياسي ودعاوى "القهاوي" أو نحاول الرد عليه، فالوثائق التاريخية كفيلة بدحضه، ولكن نريد أن نوضح أن الأسباب الكامنة وراءه هي جر كل من البحرين والإمارات إلى مهاترات سياسية تثير أزمة تفرض اتخاذ مواقف ومجادلات ربما تشغل المنطقة عن نشاط الثورة وأهدافها في أماكن أخرى من ناحية، وتدفع الرأى العام الداخلي إلى الانشغال بعيداً عن ما يعانيه من فقر وجوع وتشرد وبطالة بلغت أقصى معدلاتها من ناحية أخرى. وهنا نجد أن أتباع إيران في الداخل ازدادوا وقاحة في محاولة مستمرة ومستميتة لإثارة الأزمة، بيد أن أحداً لم يستجب لهذه الوقاحة ولم يتورط في هذه الأزمة رغم اشتداد الحملات الصحفية لوسائل الإعلام التي يسيطر عليها المرشد الأعلى لثورة بلاد فارس بنفسه، فقد قرأ الجميع ما سعى أتباع إيران لتحقيقه وفوتوا الفرصة عليهم، ولكن هذا لا يعني عدم إدراكهم لحقيقة نوايا الثورة الإيرانية واستعدادهم لمواجهتها شعوباً وحكومات. يضاف إلى ذلك أن أتباع الثورة الإيرانية في الداخل وحراسها ونقصد بهم الحرس الثوري، يقفون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه فضح خطة الثورة سواء في الداخل أو الخارج، لذلك فهم لا يتوانون عن إثارة الفوضى الإقليمية من باكستان شرقاً إلى مصر غرباً، ومن الأكراد شمالاً إلى الحوثيين في جبال اليمن جنوباً. انتشر أتباع إيران ومريدوها في التنظيمات الإرهابية والحركات الإسلامية، الشيعية منها والسنية، وأبرمت تحالفات مع سوريا وفنزويلا، كل هذا جزء من خطة الخداع الاستراتيجي لإشغال المجتمعين الإقليمي والدولي بهدف التغطية على ما تحيكه الثورة الإيرانية في ظلام يأس شعب بلاد فارس الذي لا يملك قدرة الدفاع عن مصالحه ضد مريدي إيران في الداخل. لإيران مريدون في داخل تنظيم "القاعدة" روضتهم للتعاون معها مقابل التمويل المادي والتدريب والدعم المعنوي وتوفير ملاذات آمنة لهم، على أن يكونوا أتباعاً حقيقيين يشنون العمليات الإرهابية في المناطق المحددة لهم وفق إرادة الباب العالي، وهنا لا يهم أن يكون الضحية مدنيا أم عسكريا ولا يهم لونه أو جنسه أو عمره أو مذهبه، فالمطلوب هو حجم العملية نفسها ومدى ما تشغل به العالم. أما أتباع إيران ومريدوها في العراق ولبنان وسوريا وفلسطين فهم كثيرون، وللأسف يعملون لصالح إيران دون محاولة التفكير في العائد عليهم من هذا العمل، أو يسعون لتكون هناك مصالح مشتركة، فقد أقنعتهم التقية السياسية التي تتبعها الثورة الإيرانية وجعلتهم رهن بنانها بزعم أن الأتباع والمريدين عليهم خدمة بعضهم بعضاً، لكن الواقع يقول بأن التبعية هنا من جانب واحد، وأن إيران مستعدة لمحاربة جميع أعداء العرب حتى آخر نفس عربي! لذلك فإن أتباع إيران في الشرق الأوسط يتحملون مشقة إثارة الفوضى الإقليمية في حين أنها تجني الثمار وهي كثيرة ومن أهمها: * تورط حركات المقاومة والحركات المتطرفة التي تعتمد على العنف طريقاً لتحقيق غايتها في عمليات غير متكافئة تدفعها إلى طلب العون من الثورة الإيرانية، فتستطيع الأخيرة إملاء شروطها كاملة ولا يملك الطرف الآخر الإرادة للرفض ومن ثم الانصياع مرغماً لما يُملى عليه من ولي النعم. * منح الفرصة لعناصر "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري والمسؤول عن العمليات الخارجية للتدخل وللعب دوره في التعبئة وإذكاء الصراعات، ومن ثم تصبح الثورة الإيرانية طرفاً فاعلاً في كل الأزمات يصعب تجاوزه إذا أراد البعض التوصل لأي حل. * سهولة عملية نشر التشيع، فحالما تظهر الثورة الإيرانية بدور النصير القوي الذي يقف في وجه المستبد والمستكبر يعتبرها كثيرون ملاذاً للدعم ومن ثم الدخول في عباءة التشيع. * الفوضى الإقليمية تشجع على ظهور الطائفية ومن ثم تدفع الشيعة في المنطقة، سواء كانوا أقلية أو أكثرية، للمطالبة بحقوقهم والسعي لفرضها بالقوة تحت مظلة الثورة الإيرانية التي تصبح في هذه الحالة القدوة والمثل الذي يجب أن يحتذى. * إبراز الثورة في بلاد فارس كقوة إقليمية قادرة على نشر عدم الاستقرار أو تحقيق الأمن، فهي وجهان لعملة واحدة. كل هذا يقودنا إلى أن نطالب الثورة في بلاد فارس بإبعاد مريديها وأتباعها وأصدقائها عن المنطقة، فلا توجد هناك مصالح مشتركة في ظل نظرة الفرس للعرب، ويصعب الحديث عن الاستقرار والسلام في المنطقة وسط التحريض الشيعي الفارسي والتدخل المستمر في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، كما لا نتصور بناء المستقبل والثورة الإيرانية لا تعترف باحتلالها لأراضٍ إماراتية وتسعى إلى تكريس الأمر الواقع بكل صلف ووقاحة... إن النداء الأخير قبل وقوع الكارثة هو أن تصبح إيران دولة طبيعية وعادية وتبحث عن مريدين وأتباع بعيداً عن المنطقة.