المزارعة "ليو شاني" تعمل دون كلل أو ملل في مزرعتها المخصصة لمحصول القمح، وتتفحص النبتات النامية للتو، فيشتد قلقها حين تدرك أنها قد جفت. تقول "شاني" بعد تحسسها لكل واحدة من تلك النبتات: إذا لم تمطر السماء قريباً، فلن يكون بمقدوري جني محصول هذا العام. ومثلها سوف يحرم ملايين الفلاحين المتخصصين في زراعة المحصول نفسه في ذلك "الحزام القمحي" الواقع شمالي الصين، على رغم أنه يوفر للصين نسبة 95 في المئة من حاجتها إلى القمح. وفي يوم الثلاثاء الماضي، صرح "إر جنبنج" رئيس "هيئة جهود التخفيف من آثار الجفاف" قائلاً إن المحاصيل الزراعية الشتوية تمر بظروف مناخية عصيبة هذا العام. فما لم تهطل الأمطار خلال الأسبوعين المقبلين، سوف تواجهنا ظروف ومهام بالغة القسوة. فهنا في قرية "زهاوجو" النائية في أقصى الشمال الصيني، تبدو واضحة آثار موجة الجفاف الأطول من نوعها خلال الأعوام الخمسين الماضية، لكونها دمرت المحاصيل وجففت المزارع وأفقدتها أي مظهر من مظاهر الحياة. وتزداد الأوضاع الاقتصادية لهذه العائلات التي تعمل بالزراعة سوءاً بسبب خسارة الكثير من بناتها وأبنائها الذين يهجرون مهنة الزراعة في الريف، ويذهبون إلى المدن، حيث يعملون ويدعمون عائلاتهم اقتصادياً، لوظائفهم نتيجة تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، الذي تأثر بالأزمة الاقتصادية العالمية. وبذلك تحولت فجأة مشكلة محصول القمح في هذه القرية وغيرها من القرى المجاورة الواقعة في نطاق "حزام القمح" في شمالي البلاد، إلى مشكلة طارئة، لا لكونها تؤثر سلباً على الأمن الغذائي الصيني فحسب، وإنما لارتباطها مباشرة بقدرة مزارعي القمح على العيش والبقاء أم لا؟ ولإدراك المسؤولين المحليين لخطر هذه الكارثة، فقد شرعوا في حفر الآبار الجوفية عسى أن يحصلوا منها على ما يكفي لري محصول القمح. غير أن "ليو شاني" وغيرها من الفلاحين الخبيرين بزراعة القمح في هذه السهول الجبلية الممتدة في محافظة هينان، يدركون جيداً أن هذه المساعي الحكومية لن تساعدهم كثيراً على حل المشكلة. "فنحن نعتمد على السماء في رينا للقمح" على حد قول "شاني". غير أن السماء لم تمطر على حقلها سوى مرة واحدة فحسب، منذ أن زرعت "شاني" محصولها في شهر أغسطس الماضي. ولم تمطر ثانية سوى زخات مطر خفيفة جداً ساعدت على ترطيب المحصول وتخفيف آثار الجفاف عنه. من جانبهم، يلقي المسؤولون باللائمة عن هذه الكارثة، على صعوبة الظروف المناخية. ففيما ذكره "جيبنج" للصحفيين: كانت الأمطار نادرة جداً هذا العام، مع ارتفاع غير مسبوق في درجات حرارة موسم الشتاء الحالي، مما أدى إلى فقدان التربة الزراعية لكمية كبيرة من رطوبتها. وبالإضافة إلى ندرة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، أدى تساقط الجليد بكميات كبيرة في ثلاث مرات متتابعة، إلى تجميد وانغلاق قنوات الري الزراعي في مناطق كثيرة جداً، مما أدى بدوره إلى انقطاع المياه عن المزارع. غير أن الخبراء الزراعيين المستقلين يضيفون إلى العامل المناخي، العامل البشري أيضاً. فالمشكلة الرئيسية في شمالي الصين هي نقص المياه. ذلك ما يراه "لي جوانجيونج" خبير المحافظة على الموارد المائية بجامعة بكين الزراعية. وإذا كانت السدود المائية والآبار المتوافرة تنضب هناك، فإن أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك هو إهدار الفلاحين للمياه وإساءة استغلالهم لها. ويفسر البروفيسور "لي" قوله هذا بميل الفلاحين وحبهم لاستخدام طرق الغمر التقليدية للمحصول بالمياه. وبهذه الطريقة، فهم يفتحون مجاري المياه وقنواتها، بحيث تمر إلى المساحات المزروعة كلها وتغطي المحصول بالكامل. أما التقنيات الحديثة التي تسعى السلطات لإدخالها وتعويد المزراعين على استخدامها، مثل الري بالرش، وتقنيات الري الجزئي العديدة، فيتشكك إزاءها المزارعون كثيراً ولا يثقون في قدرتها على ري المحصول وتزويده بما يكفيه من مياه. غير أن إحدى المشكلات التي تواجهها تقنية الري بالرش على وجه التحديد، عدم ملاءمتها للمزارع الصغيرة التي يتألف معظمها من المزارع العائلية المحدودة غير الملائمة للنشاط التجاري. وبسبب تفضيل المزارعين لطرق الطمر المائي التقليدية، تهدر نسبة 55 في المئة من مياه الري المتوافرة في المنطقة، في حين لا تزيد نسبة إهدار مياه الري عالمياً على 30 في المئة من جملة المياه المستغلة. وإلى جانب إساءة استغلال المزارعين للمياه، هناك مشكلة قدم نظم الري الزراعي المستخدمة نفسها. فبعد عقود طويلة ممتدة من استخدام تلك النظم، من قنوات ومضخات ومحطات تجمع وتوزيع مائيين وآبار وخلافها، لم تعد هذه النظم قادرة على أداء دورها على النحو المطلوب، كما أنه لم يعد ممكناً إصلاح الكثير مما تعطل منها عن العمل. ذلك أن عمرها الافتراضي قد انتهى منذ عدة سنوات، على حد قول البروفيسور "لي". من جانبه، أكد "وانج تيانلي" المسؤول بهيئة التخفيف من آثار الجفاف، ما ذهب إليه البروفيسور "لي" بقوله: فهذه هي المشكلة - قدم نظام الري المائي - التي نعانيها في محافظة هينان على وجه التحديد. فعلى رغم زيادة الآبار الست الموجودة أصلاً بثلاث آبار إضافية، إلا إن نقص المياه يظل مشكلة رئيسية، بسبب عدم كفاءة نظم الري. وعلى رغم لجوء الحكومة لاستخدام الوسائل الصناعية لهطول الأمطار مؤخراً، فإن مصير قمح هذا الشتاء يتوقف على هطول الأمطار الطبيعية. ولذلك تتطلع عيون المزارعين دائماً إلى السماء. بيتر فورد كاتب أميركي متخصص في الشؤون الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"