يعدّ التدخين أحد الظواهر الخطرة، اجتماعياً وصحياً، بل إنه على حد وصف "منظمة الصحة العالمية" هو "آفة هذا العصر"، وحسب إحصاءات المنظمة، فإن هناك أكثر من 5 ملايين شخص يموتون سنوياً بسبب أمراض ناتجة عن التدخين، وتتوقّع المنظمة أن يرتفع عدد ‏الوفيات بسبب التدخين إلى 10 ملايين وفاة سنوياً في عام 2020، أي وفاة شخص واحد كل ثلاث ثوانٍ. ومن هذا المنطلق تأتي أهمية "مشروع القانون الجديد" الذي أقرّه "المجلس الوطني الاتحادي"، يوم الثلاثاء الماضي، وتقدّمت به الحكومة "لمكافحة التبغ"، والذي يحظر زراعة التبغ داخل الدولة لأغراض تجارية، وكذلك صناعة منتجاته. أحد جوانب أهمية هذا المشروع يكمن في أنه أخذ في اعتباره الآثار السلبية لظاهرة التدخين "السلبي" الناتجة عن السماح بالتدخين في الأماكن العامة. ومعروف أن هذه الظاهرة لا تقلّ في خطورتها عن التدخين العادي، فحسب دراسة صدرت عن "منظمة الصحة العالمية" في مايو 2008 فإن نحو 200 ألف شخص يموتون سنوياً من أمراض تصيبهم بسبب تعرّضهم للتدخين السلبي أو "القسري" في أماكن عملهم، وهي تشمل سرطان الرِّئة، وأمراض القلب. وبالإضافة إلى ما سبق، فإن نحو 700 مليون طفل، أي ما يعادل نصف أطفال العالم تقريباً، هم عرضة للتدخين السلبي أو القسْري. وكان القانون الجديد حريصاً على تفادي هذه الآثار السلبية، فقد حظر التدخين في "الأماكن العامة المغلقة"، كما حظر الترخيص للمقاهي أو ما يماثلها التي تقدم أياً من أنواع التبغ أو منتجاته داخل البنايات السكنية أو بجوارها لمسافة خمسين متراً. والقانون بهذا المعنى يتوافق مع حملات التوعية بمخاطر التدخين حول العالم، والتي تعطي أولوية مطلقة لمسألة حظر التدخين في الأماكن العامة بُغية المحافظة على السلامة العامة من مخاطر التدخين السلبي أو القسْري، كما أنه سيُسهِّل مهمّة الراغبين في الإقلاع عن التدخين عبر الحدّ من الأماكن المتاحة لذلك. كما يحسب لمشروع القانون الجديد أنه راعى في الاعتبار شريحة عمرية مهمة، وهي الأطفال صغار السن، حيث منع "بيع أو الشروع في بيع التبغ أو منتجاته لمن لا يتجاوز الـ18 سنة"، بل وأعطى للبائع الحقّ في أن يطلب من المشتري تقديم الدليل على بلوغه هذه السن، كما منع التدخين في أثناء قيادة السيارة الخاصة، حال وجود طفل لا يتجاوز الثانية عشــرة من عمره. وتكمن أهمية هذه الجزئية بالقانون في أن كثيراً من الأطفال في هذه السن قد يلجأون، على سبيل التجربة أو المحاكاة، إلى التدخين، دون إدراك مخاطر ذلك على صحّتهم. تؤكّد ذلك الإحصاءات التي أوردتها دراسة صادرة عن "منظمة الصحة العالمية" في سبتمبر 2008، حيث أشارت إلى أن 24% من الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاماً، و42% من الذكور الذين تبلغ أعمارهم 17 عاماً يدخّنون التبغ في الوقت الحاضر في الدولة. مشروع القانون الجديد يشكّل، بلا شك، خطوة مهمّة في جهود مكافحة التدخين داخل الدولة، ويؤيّد التوجه العام الذي تنشده الدولة ويدعمه، وهو "توفير بيئات خالية من التدخين". وهو يكمل الجهود السابقة في هذا الخصوص، كفرض حظر التدخين في مراكز التسوق والأماكن المغلقة. كما كانت الإمارات أول دولة بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا تقرُّ العقار "تشامبكس"، الذي يعدُّ أحد الوسائل الأكثر فاعلية في تمكين المدخنين من الإقلاع عن الآفة القاتلة. لعل أهم ما يميّز جهود الدولة في مكافحة ظاهرة التدخين، أنها تأتي في إطار رؤية شاملة تتضمّن سَنّ القوانين وبرامج الدعم وحملات التوعية العامة، وتعبّر عن إدراك حقيقي بمخاطر هذه الظاهرة صحياً واجتماعياً. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية