انتهى الجدل حو ل ما إن كان ينبغي إشراك الصين -فقد مضت الآن عشرون عاماً على الزواج العرفي الذي يجمعها بالولايات المتحدة- كما انتهى الجدل حول ما إن كانت الصين ستنضم إلى المجتمع الدولي، إذ بدأت منذ سنوات في دخول المنتديات متعددة الأطراف. وعليه، فالتحدي الكبير الذي يواجه وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون حين تزور بكين الأسبوع المقبل يكمن في حمل الصين على لعب دور أكبر في تفادي الكوارث العالمية في مجالات التالية: الاقتصاد والانتشار النووي وتغير المناخ والأوبئة. والحق أن الصين تستحق الإشادة لتحركها السريع بخصوص الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، حيث عملت على الانتقال من محاولة إعادة الاستقرار إلى اقتصادها الصيف الماضي إلى تبني تدابير تحفيزية قوية خلال الأشهر الأخيرة. وهي تدابير شملت مخططاً لاستثمار 123 مليار دولار في التأمين الصحي الشامل على مدى السنوات الثلاث المقبلة، يمكن أن يضع الأسس لضمان اجتماعي من شأنه المساهمة في خلق طبقة وسطى صينية واسعة، من شأنه أيضاً أن يدعم نمو الطبقة الوسطة الأميركية عبر تقوية سوق الصادرات الأميركية. وعلاوة على ذلك، فإن بكين، وبالتعاون مع صندوق النقد الدولي، تعمل على تقديم إنقاذ مالي لباكستان التي يهم الولايات المتحدة جداً استقرارها الاقتصادي. والواقع أن المواضيع التي تشكل تحديات سياسية مثل العملة، وحماية الملكية الفكرية، وما تحمله حزمة الإنقاذ المالي الأميركية من مقتضيات، أثبتت أنه بالإمكان إدارتها والتغلب عليها عبر التشاور الدوري مع الكونجرس والحوار المنتظم مع بكين. فبخصوص جهود منع كارثة نووية ممكنة، فإن سجل الصين متفاوت، ذلك أن بكين تلعب دوراً قيادياً مهماً في استضافة المحادثات السداسية حول برنامج كوريا الشمالية النووي، ولعبت دوراً أساسياً في حل عدد من العقد والمشاكل، غير أن بكين ما زالت تولي اهتماماً للاستقرار في شبه الجزيرة الكورية أكبر من اهتمامها بصواريخ كوريا الشمالية النووية. واليوم من غير المعروف ما إن كانت بيونج يانج ستتخلى عن أسلحتها وبأي شروط، مثلما أنه من غير المعروف كم من الضغوط ترغب الصين في ممارستها، لكن الأكيد أن كلينتون ستدعو لمزيد من الضغوط الصينية. ومهما يكن، فإن بكين وواشنطن متفقتان على الأقل حول الطريق التي تفضي إلى الأمام. وبالمقابل، هناك خلاف حاد بين الصين والولايات المتحدة حول البرنامج الإيراني، ذلك أنه سبق للصين أن عرقلت مراراً، في مجلس الأمن الدولي، الجهود الأميركية الرامية إلى فرض عقوبات مشددة على طهران. والحقيقة أن بكين لا تريد ازدياد خطر وتعقيد الشرق الأوسط بدخول العامل النووي في الحسابات الجيوسياسية بالمنطقة، غير أن شهية الصين القوية لإمدادات الطاقة قد تضعف معارضتها للانتشار النووي. وبالتالي، فإن احتمال إحراز كلينتون لتقدم حول هذا الموضوع يبدو ضئيلاً. وهو ما يقودنا إلى موضوع تغير المناخ. فارتفاع حرارة الأرض سيتطلب أكثر أنواع الدبلوماسية قوة وإبداعاً من قبل إدارة أوباما. فحجم الطلب الصيني على الطاقة ضخم جداً، وحسب الخبير في شؤون الطاقة الآسيوية ميكال هيربرج، فإن استهلاك الصين للطاقة بين عامي 2001 و2007 ارتفع بمقدار يعادل استعمال الطاقة في بلدان أميركا اللاتينية مجتمعة. وعلاوة على ذلك، فإن الصين تعارض تحديد أهداف صارمة لتقليص انبعاثات الغازات المتزايدة، مجادلة على نحو لا يخلو من منطق وصواب بأن الغرب هو من تسبب في أزمة ارتفاع حرارة الأرض ويتحمل المسؤولية. والحال أنه بدون انضمام الصين إلى الجهود الدولية، فإن العالم لن يكون قادراً على تقليص الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى المستوى الذي يعتقد العلماء أنه ضروري لتلافي تأثيرات كارثية. فأي وجهة إذن ينبغي أن تمضي فيها كلينتون خلال أول زيارة لها إلى الخارج كوزيرة للخارجية من أجل زيادة حظوظ وفرص إحراز التقدم في منع هذه الكوارث العالمية؟ أولاً، بموازاة مع توضيح خلافاتنا حول العملة، والتيبت، ودارفور، وحقوق الإنسان، وزيادة التسلح الصيني... على كلينتون أن توضح أن الصين شريك استراتيجي في مجالات حيوية، وأن الولايات المتحدة ترحب باندماج الصين في النظام الدولي كلاعب مسؤول ومحترم وملتزم. كما عليها أن تعبد الطريق أمام مبادرات جديدة جريئة بخصوص "التعاون الاستراتيجي". ومن مجالات التعاون المثمر، مجال الطاقات النظيفة. وخلال جلسة تثبيتها في منصبها كوزيرة للخارجية أمام الكونجرس، أشارت كلينتون إلى أنها ستحرص خلال تعاملها مع بلدان أخرى على أن تضع نصب عينيها العلاقة الكاملة، وأنها لن تسمح لمواضيع صغيرة بالتأثير عليها وتحديد شكلها. والحق أن تلك مقاربة صحيحة، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يمنعها من ترتيب المصالح الأميركية وفق أولويتها وأهميتها بخصوص هذه التحديات الأربعة خلال محادثاتها في بكين. فمن طبيعة علاقتنا مع الصين أن تكون ثمة قائمة طويلة بالمشاكل التي نريد من بكين أن تتحرك بخصوصها، لكن الأرجح أن نرى تقدماً أكبر إذا نحن كنا واضحين بخصوص أي منها أكثر أهمية من الأخرى. والحقيقة أن التفاوض مع الصين ليس بالأمر اليسير، غير أنه لا الصين ولا الولايات المتحدة تستطيع أي منهما تجنب هذه الكوارث بشكل منفرد. نينا هاشيجيان زميلة مركز التقدم الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"