يحذر علماء البيئة والمحيطات من تراجع الشعب المرجانية في البحار ومن الضغوط البيئية الخطيرة التي باتت تتعرض لها بسبب الارتفاع المتزايد لدرجات الحرارة من جهة وتنامي ملوحة مياه المحيطات من جهة أخرى، وهو ما يهدد في حال تفاقم الوضع بتآكل حجم الشعب المرجانية وربما انقراضها نهائياً. لكن هذه الصورة القاتمة للحياة العضوية تحت سطح البحار والمحيطات، يعارضها العالم "أندرو بيكر" من معهد "روزينتال" للدراسات البحرية التابع لجامعة ميامي الأميركية الذي يعقتد أن الشعب المرجانية تتميز بقدرة خاصة على التأقلم مع درجات الحرارة المرتفعة، مؤكداً في هذا السياق أن تدخل البشر قد يساعد الشعب المرجانية على مزيد من التأقلم وبالتالي تفادي مصير الانقراض. ففي مطلع العام الجاري أطلق "بيكر" مشروعاً عملياً رائداً يرمي إلى دراسة العلاقة بين بعض أنواع الشعب المرجانية وبين الطحالب ليكشتف أنه مقابل الحصول على مكان آمن للعيش، تزود الطحالب الشعب المرجانية التي تستضيفها بالطاقة لمقاومة درجات الحرارة المرتفعة. لكن عندما ترتفع درجات الحرارة أكثر من اللازم فإن ما يحدث هو انفصال الطحالب عن الشعب المرجانية لتفقد هذه الأخيرة مصدر طاقتها، ما يؤدي في النهاية إلى تغير لونها قبل أن تضعف وتموت. ويتطلع "بيكر" إلى منع تغير لون الشعب المرجانية الذي أصبح منتشراً على نطاق واسع في الخمسين عاماً الأخيرة بسبب الاحتباس الحراري، وذلك من خلال تطعيم الشعب المرجانية بنوع خاص من الطحالب يمنحها القدرة على مقاومة درجات الحرارة المرتفعة، ومن ثم ضمان استمرارها على قيد الحياة. فقد لاحظ العالم في الجامعة الأميركية قبل عشر سنوات أن الشعب المرجانية تستضيف بشكل طبيعي نوعاً من الطحالب المقاومة للحرارة تستطيع تحمل مياه أكثر دفئاً من المعتاد، وتبرز هذه الظاهرة بشكل خاص في بعض المناطق مثل مياه الخليج العربي، حيث تصل درجات الحرارة إلى 93 فهرنهايت، وهو ما يفترض أن يقضي على أي شكل من أشكال الشعب المرجانية، لكن ما يفسر استمرارها على قيد الحياة هو انتشار نوع من الطحالب المقاومة للحرارة يلتحم بالشعب المرجانية ويحول دون تغير لونها، أو تعرضها للذبول. ويوضوح "بيكر" هذا التغير قائلا: "هناك أدلة تشير إلى رد فعل إيجابي من الشعب المرجانية يعزز قدراتها على التأقلم، وهو ما يفتح أمامنا آفاقاً واعدة في المستقبل للتدخل من أجل إنقاذ الشعب المرجانية والحفاظ على أشكال الحياة المتنوعة في أعماق المحيطات". غير أن البعض الآخر من العلماء يتحفظ على مسألة التدخل لتغيير الطبيعة بالنظر إلى التجارب السابقة التي لم يكتب لها النجاح، فيما يرى آخرون أن الفكرة القائلة بتأقلم الشعب المرجانية مع درجات الحرارة المرتفعة من خلال تقريبها من الطحالب، يشوبها الكثير من الشك، لاسيما في ظل الحالات العديدة لتلاشي الشعب المرجانية وتعرضها للاندثار في أكثر من منطقة في العالم، لكن إزاء هذا الطرح يرى "بيكر" أن غياب الدليل يجب ألا يأخذ على أنه دليل لغياب الأمر نفسه، أي أن الشعب المرجانية عاجزة عن التأقلم مع درجات الحرارة المرتفعة في حال توافرت الظروف المناسبة. والأكثر من ذلك يجادل بيكر ومعه مجموعة من العلماء أنه حتى لو تم وقف انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري سترتفع درجة الحرارة، كما أنه حتى لو حُلت معضلة الوقود الأحفوري الملوث للبيئة ستواجه الشعب المرجانية مشكلة تزايد درجة حرارة مياه المحيطات، وهو ما يبني عليه "بيكر" دعوته للتسريع في مساعدة الشعب المرجانية على التأقلم حتى لو تطلب ذلك تدخل الإنسان من خلال توفير الظروف المناسبة وتطعيمها بالطحالب المقاومة للحرارة. لكن لماذا هذا الاهتمام الكبير بالشعب المرجانية؟ ولماذا كل هذا الحرص على استمرارها على قيد الحياة؟ يكمن الجواب في التنوع الكبير للأنظمة البيئية الذي تمثله الشعب المرجانية ليس فقط على مستوى المحيطات والبحار، بل على مستوى كوكب الأرض، فمن بين 34 مجموعة رئيسية من الأنواع الحيوانية التي تقطن كوكبنا يوجد 32 منها في المحيطات، كما أن 30 من الأنواع الحيوانية توجد في الشعب المرجانية. ويضاف إلى ذلك أن ما يقارب نصف مليار شخص في العالم يعتمدون في معيشتهم على الأنظمة البيئية للشعب المرجانية وأشكال الحياة المختلفة التي تزخر بها، ناهيك عن الإمكانات الهائلة التي تتيحها للدراسات الجينية المزدهرة حالياً واحتمال الاستفادة منها في القضايا الطبية وعلاج بعض الأمراض من خلال الجينات. وبالرجوع إلى فرضية عالم المحيطات "أندرو بيكر"، فإنه من غير المجدي تطعيم جميع الشعب المرجانية المنتشرة حول العالم بالطحالب، بل يقترح تطعيم مستوطنات صغيرة من الشعب المرجاني القريبة من السواحل كتلك الموجودة في ولاية كاليفورنيا لإجراء التجارب الأولية والخروج بنتائج واضحة. كما يقترح أيضاً استنبات نماذج مخبرية من الشعب المرجانية مزودة بخصائص قادرة على حمايتها من درجات الحرارة المرتفعة قبل وضعها في البحار. موزيس مانوف ---------- كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"