لا نعرف الحقيقة التي وراء إشادة مرشد "الإخوان" في مصر بإنجازات الثورة الإيرانية وهم الذين غرر بهم في أولى سنوات اندلاعها، حين كانت القصائد العصماء تصب الشهد والعسل على ما سموه بـ"تيجان" إيران وقصد بذلك "عمامة" الخميني والآيات آنذاك. ولم تمض على نشوة "الإخوان" بالثورة سنة واحدة بالكاد حتى أحرقت وأبادت كلمة المنجزات وأخرجتها من قاموس السياسة إلى حطام وأشلاء متناثرة لملايين الضحايا في حرب قذرة أديرت باسم "الإسلام" البريء من كل الجرائم التي ارتكبت تحت مظلة مفاتيح الجنان التي كانت توزع على الجنود الإيرانيين أثناء حرق إخوانهم العراقيين بدم مثلج في الصدور التي أخرجت كل ما تحمل من ضغائن الماضي والحاضر والمستقبل أيضاً. وفي جلسة مفتوحة خارج إطار الأيديولوجية الثورية مع بعض الإيرانيين الأحرار والمكتوين بنار الثورة رغم أنهم بعيدون عن صفوف المعارضة، إلا أن كل جريرتهم أنهم يعملون ضمن إطار منظمات المجتمع المدني التي تعرضت على مدار سنوات الثورة إلى كل أشكال التضييق والاضطهاد دون مبرر غير أن الأحرار ليسوا ضمن الثوار. والجميع في هذه الجلسة الودية كان يتمنى فقط وجود رجل رشيد يخرج إيران من سجن "الثورة"، التي أصبحت أكبر معوق لأي إنجاز. فلم تنحصر إيران يوماً في النووي كما هو الحال اليوم، ولم تكن أيضاً محشورة في ملف واحد طال عليه الأمد السلمي والحربي، وأضافت على نفسها ملف جزر الإمارات التي تحتلها إيران كأنه مكافأة أو هدية الثورة أو عربوناً لحسن الجيرة التي طالما تغنت بها الثورة لأيام قلائل ثم ذهب كل ذلك في خبر كان. لماذا يراهن "الإخوان" على الثورة الإيرانية التي لن تتوسع إلا على حساب العرب في كل بقعة يريدون فيها بناء جسور من التواصل ورأب الصدع فيما بينهم، فالثورة التي أهدرت من أموال الأمة العربية والإسلامية مئات المليارات من الدولارات في حروب الحماقات التي لا زالت تؤججها في لبنان والعراق والسودان واليمن وغيرها من المجتمعات التي تشترى فيها الذمم والتيارات بالمال والفتاوى الرخيصة، فإن كانت هذه سياسة متفق عليها بين "الإخوان" والثوار في إيران، فإن ذلك مؤامرة واضحة ضد الأمن القومي للدول وهو اختراق واضح ضد مصالح الأوطان، التي تحتضن هذه الحركات التي تشيد بكل ما يدعو إلى نمط الثورة والتمرد لزعزعة الاستقرار الذي تم إرساؤه في بعض الدول العربية بعد سنوات من الحروب المتتالية والتي لم تضف إلى رصيد البناء شيئاً. اليوم تعاني إيران من ضيق ذات اليد الاقتصادية بشهادة الداخل المخنوق، إلا أن الثورة لا تقر لهم بذاك وهو جزء من برنامج المكابرة ونهج الاستكبار الذي تصدره إلى الخارج للتغطية على حقيقة أفعال الثورة التي تلاحق المسالمين قبل المعارضين الذين تفرقوا في بلدان "الشيطان" الأكبر هرباً من "الآيات العظمى". لم نلتق يوماً بإيراني بسيط غير مثور قادم إلى حضن الخليج إلا وتعلو جبينه علامات التعجب والاستفهام عما يسمعه منا وما يسمعونه هناك عنا من تراشق لا يليق في أدنى الأعراف الدبلوماسية بين الدول المتحاربة، فضلاً عن المتقاربة ليس فقط في الجغرافيا وإنما في الاقتصاد والتجارة والاجتماع والدين، إلا أن الثورة الإيرانية ومن يدبج المديح من "الإخوان" وغيرهم ممن يتلقون فتاوى تحركاتهم من ملالي إيران، قد طمروا كل حبال التواصل تحت الرماد. فأين إيران الثورة اليوم من رائحة الزعفران وجامعة طهران التي كانت تشبِه بالسوربون؟! هذا طبعاً قبل ثلاثة عقود وكأن المجتمع الإيراني الحي قد أزهقت روحه وقدمت قرابين بين الثورة التي أنست الناس إيران أيام زمان. ويأتي الوقت الذي يبارك فيه مرشد "الإخوان" في مصر ويروج لثورة ليس للإسلام فيها مصلحة إلا إثارة المزيد من النعرات التي تصيب الإسلام بالصدع.