يتناقل بعض الناس أخبار تسريح بعض العاملين في القطاع العقاري بالدولة نتيجة الأزمة المالية العالمية. وبعضهم الآخر يؤدي دوراً حيوياً في نشر الشائعات حول تردي أوضاع هذا القطاع الحيوي والمهم، كأنهم يتكلمون عن أبراج ومدن سكنية قائمة على كوكب المريخ. وفي العام الماضي حين خُطف 11 سائحاً أجنبياً في جنوب مصر، وأوقف هذا الحادث نبض القطاع السياحي، حيث السياحة تمثل رقماً مهماً من الدخل القومي لمصر، ويستوعب آلاف المصريين العاملين به، أبدى العاملون في القطاعات الأخرى لا مبالاتهم، وقال أحد المحامين إن خطف السياح "أمر لا يعنيه"، وتساءل: "ماذا آخذ من عائدات السياحة حتى اهتم بهذا الحادث؟ أصحاب شركات السياحة هم المستفيدون". وقال أحد المحاسبين إن "كارثة الدويقة والغلاء الذي تزداد حدته، أهم عندي من اختطاف سياح". وجاء في تقرير من مدينة بيساسو الساحلية في الصومال، أن الفتيات يحلمن بالزواج من القراصنة، والآباء يشاركونهن ذلك الحلم، لأنهم يستطيعون بأموال الفدية توفير حياة رغيدة لهن، بعكس الصومالي الشريف الذي بالكاد يدبّر خبز يومه. ويتسابق التجار وبائعو الخدمات إلى استقبال القراصنة استقبال الأبطال الفاتحين، لأنهم يدفعون ولا يبالون. وربما يعتقد هؤلاء "اللامبالون" أن القطاع العقاري سيتأثر بالأزمة بمجرد أن يقيموا له سرادق العزاء. لكن خاطفي السائحين لن يفرجوا عنهم حتى لو خرج المحامون والمحاسبون في تظاهرة ضد اختطاف السياح. والقراصنة لن يتركوا هذا النشاط الإجرامي حتى لو اشترط الآباء في بيساسو في عقود الزواج بألا يكون الزوج قرصاناً، وحتى لو أغلقت المحال التجارية الأبواب في وجوههم. لكن الفكرة التي غابت عنهم أن طائر الضرر الذي يحلق فوق قطاع ما، لابد أن يأكل من رأس باقي القطاعات، إن عاجلاً أو آجلاً، فالدولة الواحدة تشبه تماماً الجسد الواحد الذي جاء في الحديث النبوي أنه إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى. يفترض بهؤلاء أن ترتفع درجة حرارتهم، ويسهروا قليلاً على فراش القلق، ففي الحالات الثلاث هناك سمعة البلد، خصوصاً في حالة خطف السياح والسفن، فكل مصري وصومالي معني بأن يحافظ على سمعة بلاده في المقام الأول. وهناك تأثر باقي القطاعات بأزمات القطاعات الأخرى، فمن يستطيع أن يضمن وظائف العاملين في باقي القطاعات إذا سرّح القطاع العقاري المزيد من العاملين فيه؟ وألا يعرف الأستاذ المحامي أن زيادة عدد السائحين تعني زيادة عدد الشركات السياحية، وتعني زيادة الشركات الرديفة، وبالتالي زيادة العمل والتجارة والاستثمار، أي زيادة القضايا والمنازعات، وهو ما يعني عملا للمحامي وقضايا يترافع عنها بدل أن يطارد الذباب في مكتبه؟ وربما عمل لابنه غداً وبعد غد. وفي الحالة الصومالية، هل يعتقد الحالمون في بيساسو أن القرصنة ستدوم إلى الأبد، وأنهم لن يرتدوا إلى الداخل بعد أن يضيّق عليهم البحر، ليمارسوا القرصنة الأرضية على الحالمين أنفسهم، خصوصاً أن "بير عبدي" العقل المدبر لعمليات القرصنة هناك، قتل مؤخراً برصاص مجهولين على خلفية خلافات مالية بين القراصنة؟ إذا كان القطاع العقاري لا ينتظر تعاطفاً من أحد لأنه لن يفيده، فإن التوقف عن ترديد الشائعات وتهويل الأمور مفيد للجميع على المدى الطويل، واللا مبالاة تجاه خطف السائحين، أو الحلم بالزواج من القراصنة، سيخلق ثقافة جديدة في هذه المجتمعات، هي ثقافة اللامبالاة تجاه أي شيء، وثقافة السلب والنهب والغنيمة الباردة، وسيكون المتضرر هو المجتمع بأكمله.