احتفلت إيران بالذكرى الثلاثين لثورة الخميني وسقوط الشاه. وقد صاحب هذه الاحتفالات الكثير من الضجيج وبالذات بتهديدات معلنة لكل من لا يخضع لسطوتها وهيمنتها بدءاً بدول الجوار كالإمارات والبحرين ومروراً بمصر وانتهاء بأوروبا وأميركا. ونحن في الإمارات اعتدنا على سماع هذه الأصوات النشاز التي لا تتفق مع مبادئ الجوار وتعاليم الإسلام والمصالح الحقيقية للشعب الإيراني، بل تتعارض مع ما كانت تنادي به هذه الثورة قبل انتصارها من مراعاة حسن الجوار ووعود بالعمل على تكوين علاقة أخوية مع دول الخليج، والتنديد بأسلوب الشاه الاستبدادي في التعامل مع دول الخليج، وباستعدادهم لحل قضية الجزر الإماراتية في إطار الأخوة الإسلامية وبالطرق السلمية. بل لقد وصل الامر إلى عدم استخدامهم لمصطلح "الخليج الفارسي" لكسب الشارع العربي في ذلك الوقت. وقد أكسبتها هذه الوعود شعبية في الشارع العربي، وبالذات باستغلالها لقضية فلسطين ورفع شعار تحرير القدس وتخصيص يوم سنوي للاحتفال بذلك. ولكن ما أن تمكنت هذه الثورة من الحكم حتى تغير الخطاب الودود إلى التهديد والوعيد، الذي انتقل بعد ذلك إلى مرحلة الدسائس والمؤامرات ضد دول الجوار، مما أدخل إيران في حرب شعواء مع العراق راح ضحيتها الملايين من الجانبين ولم تضع الحرب أوزارها إلا عندما يئست إيران من تحقيق النصر، وقال الخميني مقولته المشهورة "إن موافقته على وقف إطلاق النار أشد عليه من تجرع السم". وظن البعض أن هذه التجربة ستجعل النظام الإيراني يعيد حساباته ويهتم بالتنمية ورعاية المصالح الحقيقية للشعب الإيراني، ولكن للأسف الشديد فقد استمر الخطاب العدواني تجاه دول الجوار، واستمر التهديد بتصدير الثورة يشتد حيناً ويخبو حيناً آخر بحسب الظروف الداخلية والإقليمية. وظل النظام الإيراني أسير شعارات الثورة، ولم يستطع أن ينتقل من مرحلة الثورة إلى مرحلة التنمية وبناء الدولة والعمل على تحقيق الأمن والاستقرار لإيران وللمنطقة بأسرها، وأنفق مقدرات الشعب الإيراني لبناء الحرس الثوري والجيش والعملاء في مشارق الأرض ومغاربها. وكان الشعب الإيراني هو الضحية الكبرى لهذه السياسات، ذلك الشعب الذي ظل يحلم بتحقيق العدل والمساواة والرفاهية، وهو يرى إنجازات التنمية الشاملة في دول الجوار، ويتمنى أن يرى جزءاً منها في بلاده. وخاصة، بالذات، أن معظم هذه الإنجازات تحقق في دول الجوار خلال حكم الثورة الاسلامية في إيران. وأما هو فما زال أسير الإنجازات التي تحققت خلال عهد الشاه، فالبنية التحتية من طرق وكهرباء ومياه وخدمات صحية وتعليمية ومصانع إنتاجية معظمها تم إنشاؤه خلال ذلك العهد، بل إن الفقر والبطالة قد انتشرا بنسب غير مسبوقة، وما يزال العديد من القرى بلا خدمات أساسية وبالذات في مناطق الأكراد والبلوش والعرب. ومع هذا فما زالت الشعارات الرنانة والخطب الحماسية والتصريحات العدوانية هي دأب أركان النظام وأبواقه، الذين كان أجدى لهم الاهتمام بالمصالح الحقيقية للشعب الإيراني، والعمل على إصلاح الوضع الاقتصادي لبلادهم، وتسخير كل الإمكانات المادية والطاقات البشرية لتحقيق الرفاهية لهذا الشعب كي ينعم بالرخاء كبقية شعوب المنطقة. وتغيير سياساتهم نحو دول الجوار بمد يد الأخوة والصداقة والاستفادة من إنجازات التنمية لمصلحة شعوب المنطقة بأسرها بدلًا من إنفاق مقدرات الشعب الإيراني على شراء الأبواق الدعائية لإنجازات لا وجود لها إلا في أذهان المستفيدين منها، والذين علت أصواتهم في الفترة الأخيرة فأصيبوا بعمى الألوان وأصبحوا يرون الظلم الواقع على أهل السنة في إيران تسامحاً، والتنكيل بالعرب فيها عدالة، واحتلال الجزر الإماراتية قضية لا أهمية لها في أجندتهم، والعمل على شق الصف العربي تضامناً! وللأسف يأتي ذلك من أناس يزعمون الحمية للإسلام كإشادة المرشد العام لـ"الاخوان المسلمين" بإنجازات هذه الثورة التي منعت أهل السنة من إنشاء مسجد لهم في طهران، علماً بأن عددهم فيها يزيد على المليون، والتي نكلت بالفلسطينيين المقيمين في العراق من خلال عصابات القتل التي تتبعها حتى الجأتهم إلى العيش في مخيمات على الحدود السورية والأردنية. وكم كنت أتمنى لو أن المرشد ذكر لنا إنجازاً واحداً فقط حققته هذه الثورة لإيران وللعالم الإسلامي غير الفقر والتخلف لشعبها والفرقة والدسائس والمؤامرات على العرب والمسلمين.