صعود الأحزاب المتطرفة... ومقاربات مختلفة لمستقبل إسرائيل --------- الانحياز إلى ليفني في الانتخابات، وصعود الأحزاب المتطرفة، واختلال نظام الانتخابات، والحاجة إلى المشاركة الكثيفة في الاقتراع.. قضايا نعرضها ضمن جولة سريعة في الصحافة الإسرائيلية. --------- "المرشح المفضل": انحازت "هآرتس" في افتتاحيتها ليوم أمس الثلاثاء إلى زعيمة حزب "كاديما "تسيبي ليفني، التي تساند مشروع الدولتين وتدعو إلى اقتسام الأراضي مع الفلسطينيين، بل والانسحاب من مستوطنات الضفة الغربية كسبيل وحيد لتحقيق السلام في المنطقة. فحسب الصحيفة يتبنى المرشحان الرئيسيان اللذان يتنافسان على منصب رئاسة الوزراء، وهما تسيبي ليفني وبنيامين نتانياهو مقاربتين مختلفتين إزاء مستقبل إسرائيل، فقد فشل نتانياهو كرئيس للوزراء في مناسبة سابقة بعدما عطل عن عمد عملية السلام وأوقف مسيرتها، كما أقدم على تأجيج المشاعر السلبية ضد عرب إسرائيل، وهو أيضاً متمسك بالأيديولوجية نفسها التي حركته طيلة العقدين الأخيرين والمتمثلة في معارضته الشديدة لاقتسام الأرض وإقامة دولة فلسطينية. وانسجاماً مع هذه الأيديولوجية، أعلن نتانياهو خلال حملته الانتخابية أنه لن يخلي المستوطنات ولن ينسحب من الجولان، بل وصل به الحد إلى تأييد أفيجدور ليبرمان في اشتراطه على المواطنين العرب داخل إسرائيل إعلان الولاء للدولة اليهودية قبل الحصول على الجنسية. وترى الصحيفة أن صعود نتانياهو وقائمته اليمينية التي فازت بتزكية حزب "الليكود" إلى الكنيست سيكون بمثابة الضمان لاستمرار الاحتلال وتوسيع المستوطنات، فضلًا عن الإضرار بصورة إسرائيل الدولية. وفي المقابل هناك ليفني التي وإن كانت غير مثالية وارتكبت خطأ، حسب الصحيفة، بمساندتها للحرب في غزة، إلا أنها تختلف جوهرياً في مقاربتها لمستقبل إسرائيل والعلاقة مع الفلسطينيين من خلال اعترافها بضرورة اقتسام الأرض والانسحاب من المستوطنات في أفق إقامة دولة فلسطينية بجوار إسرائيل. "كاهان يعود مجدداً": بهذا العنوان استهل الكاتب الإسرائيلي "جدعون ليفي" مقاله ليوم الأحد الماضي بصحيفة "هآرتس" مقارناً بين السياسي اليميني المتطرف "أفيجدور ليبرمان"، الذي يشارك حزبه "إسرائيل بيتنا" في الانتخابات الإسرائيلية وبين الحاخام العنصري "مير كاهان" الذي اغتيل في التسعينيات. فكلاهما يمثلان في نظر الكاتب الوجه القبيح لإسرائيل باشتراكهما في أيديولوجية واحدة تقوم على العنصرية والتفرقة وتحرض ضد العرب الإسرائيليين، بل هما يجسدان ضحالة الحملة الانتخابية الإسرائيلية وتحول العنصرية والتطرف القومي من أيديولوجية مذمومة تقود إلى الحرب والدمار إلى قيم مقبولة داخل المجتمع الإسرائيلي بعدما شرع السياسيون يتسابقون إلى اعتناقها للفوز بمقاعد الكنيست والوصول إلى السلطة. والمفارقة التي كشفتها صحيفة "هآرتس" ويوردها الكاتب انضمام أفيجدور في شبابه إلى حزب "كاخ" المتطرف الذي كان يقوده كاهان، وهو ما يفسر التشابه بين " اسرائيل بيتنا" الذي يخوض الانتخابات الحالية وتبوئه استطلاعات الرأي مرتبة متقدمة وبين سلفه حزب "كاخ"، ففيما كان "كاهان" يطالب بحرمان العرب الإسرائيليين من المواطنة وطردهم خارج إسرائيل، يشترط أفيجدور الولاء للدولة اليهودية قبل التمتع بحقوق الجنسية. واللافت حسب الكاتب أنه لو كان ظهر في أوروبا حزب يشبه "اسرائيل بيتنا" يتنافس في الانتخابات لقامت إسرائيل على الفور بقطع علاقاتها مع تلك الدولة ولأقامت الدنيا ولم تقعدها، لذا يتحسر الكاتب على الوضع الذي آلت إليه السياسة في إسرائيل وتصاعد قوة الأحزاب المتطرفة التي تروج للعنصرية والعداء الواضح تجاه العرب، وهو يأسف خصوصاً على التحول الخطير في القيم داخل الدولة العبرية وانتقالها من كفة الديمقراطية والعيش المشترك إلى قيم الإقصاء والكراهية، والأدهى من ذلك قبول الناخب الإسرائيلي بهؤلاء النوع من الساسة وإشراكهم في الحياة العامة. "نظام مختل": خصصت صحيفة "جيروزاليم بوست" افتتاحيتها ليوم الإثنين الماضي للحديث عن الاختلالات التي تعتري النظام السياسي الإسرائيلي والمتمثلة في عدم استجابة النظام لميول الناخبين وتطلعات المواطنين وعجزه الواضح عن مواكبة التغيرات في توجهات الرأي العام الإسرائيلي، وما لم يتسلح النظام السياسي بآليات مراقبة وتتبع الأفكار والتصورات الجديدة، فضلا عن مدى إقبال الناخب واستعداده للمشاركة في الحياة العامة سيفقد هذا النظام، حسب الصحيفة، مصداقيته ويغرق في التكرار والابتذال. ولعل ما يدل على مشاكل النظام السياسي في إسرائيل الاستياء العام للناخب وعجزه عن التمييز بين برامج الأحزاب الكثيرة المشاركة في الانتخابات والتي تتعدى الثلاثين حزباً. ووفقاً لاستطلاع للرأي أجراه "معهد الديمقراطية الإسرائيلي" لا يتعدى عدد الإسرائيليين الذين عبروا عن ثقتهم في الأحزاب السياسية 15%، كما أن نسبة الناخبين الذين يدلون بأصواتهم انحدرت عبر السنين من 87% في انتخابات العام 1949 إلى 63.5% في عام 2006، وربما ستظل نسبة مهمة من الناخبين تتراوح بين 20% إلى 30% مترددة حتى اللحظة الأخيرة قبل حسم مواقفها. وفي ظل هذا المناخ من الاستياء العام ليس غريباً، تقول الصحيفة، أن يبرز حزب شعبوي مثل "اسرائيل بيتنا" واحتمال مضاعفته لعدد مقاعده في الكنيست الإسرائيلي بعدما بنى حملته الانتخابية على أساس ديماغوجي. والأمر لا يقتصر في نظر الصحيفة على الانتخابات، بل يمتد الفتور واللامبالاة إلى مؤسسات أخرى مثل القضاء والإعلام، فحسب مؤشر الديمقراطية الذي يعهده "معهد الديمقراطية الإسرائيلي" فقط 35% من الإسرائيليين يثقون في النظام القضائي، ولا تتعدى تلك النسبة 37% فيما يتعلق بوسائل الإعلام، فيما يعتقد 90% من المستجوبين أن النظام السياسي ينخره الفساد. "لا تتركوا الديمقراطية عرضة للفشل": يدعو"جدعون رهات" المحاضر في كلية العلوم السياسية بالجامعة العبرية بالقدس الإسرائيليين بجميع انتماءاتهم سواء كانوا عرباً، أو يهوداً، متدينين، أو علمانيين للإدلاء بأصواتهم لأنه يعتبر المشاركة الكثيفة في الانتخابات والإقبال الكبير للناخبين على صناديق الاقتراع نجاحا للديمقراطية الليبرالية وضمان استمرارها. فمن دون إظهار الناخبين لاهتمامهم بما يجري وممارسة حق التصويت لن تستطيع إسرائيل الادعاء بأنها ديمقراطية، إذ ما الذي يجعلنا ندافع عن نظام سياسي معين يرفض المواطنون منحه الشرعية من خلال صناديق الاقتراع. لكن وفيما عدا مسألة المشاركة يثير الكاتب إشكالية التصويت نفسه، وما إذا كان مقبولًا انتخاب حزب سياسي لا يؤمن بالديمقرطية، أو حزب يدعو إلى إقصاء شريحة معينة من المجتمع بدواع أمنية. ويرفض الكاتب أيضاً الانتقادات التي توجه بين الحين والآخر للنظام السياسي في إسرائيل لما يطغى عليه من تشرذم وغلبة الأحزاب الصغيرة التي تفرض أجندتها، وتتحكم في الحياة السياسية، مشيراً إلى أن التعدد الحزبي هو من إيجابيات الديمقراطية في إسرائيل، لأنه يتيح للناخبين اختيارات متنوعة وأجندات مختلفة تعبر عن شتى الحساسيات السياسية في المجتمع، وإذا كان النظام الانتخابي لا يركز على التقطيعات الانتخابية المعروفة في بلدان أخرى، بحيث يتم التصويت على القائمة الحزبية، فلأن الناخب الإسرائيلي لا يريد رؤية نفس الوجوه تكرر نفسها لعشرات السنوات في دوائر بعينها. إعداد: زهير الكساب