رغم النمو الاقتصادي الملحوظ الذي حققته البلدان الأفريقية في الآونة الأخيرة، فإنها تبقى بعيدة عن الاستفادة الكاملة من مكتسبات العولمة وما تتحيه من فرص وإمكانات جديدة. فعلى مدى السنوات الأخيرة استطاعت الاقتصاديات الأفريقية تحقيق معدلات نمو وصلت في المجمل الى نسبة 6% سنوياً، لكن بإلقاء نظرة متأنية نكتشف أن الجزء الأكبر من النمو يرجع إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية خلال الفترة الأخيرة، لاسيما المواد الغذائية المصنعة، والحال أن تلك الأسعار تشهد اليوم انخفاضاً ملموساً أضر بالاقتصاد الأفريقي وحرمه من مداخيل مهمة، كما أن النمو القائم على تسويق البضائع والسلع ليس قادراً لوحده على استحداث مزيد من فرص العمل التي يحتاجها الشاب، وليس قادراً على خفض معدلات الفقر المرتفعة على امتداد القارة السمراء. لذا لابد من اعتماد مقاربة جدية للتنمية تتجاوز الصعوبات الحالية وتحقق حداً أدنى من الرفاه والازدهار للأفارقة، وفي هذا الإطار علينا تعبئة الاهتمام الدولي للتركيز مرة أخرى على دعم وتطوير القطاع الخاص في القارة، ذلك أن الاكتفاء بضخ المساعدات المالية في شرايين الاقتصاد لن يستمر إلى ما لا نهاية ولن يساعد القارة الأفريقية في تخطي مشاكلها التنموية المتفاقمة. وفي المقابل يتعين على أفريقيا وشركائها التركيز أكثر على تقليص تكلفة إنشاء الشركات وإطلاق المشاريع الجديدة من خلال محاربة الفساد الذي ينخر دواليب الدولة ويؤثر على انطلاق الأعمال، والاهتمام بالتعليم ما بعد الابتدائي، لاسيما الحرص على اكتساب الطلبة للمهارات التي يتطلبها القطاع الخاص، دون أن ننسى تسهيل عملية الاستثمار المالي ومنح القروض، بالإضافة إلى توفير إمدادات أفضل من الطاقة وتطوير البنية التحتية. وقد يبدو للبعض أن هذه المطالب والاشتراطات أكثر مما تستطيع القارة الأفريقية تحمله بالنظر إلى تعثر تجارب مشابهة والحاجة إلى موارد غير متوفرة، إلا أنه بتضافر الجهود التي تشرف عليها "اللجنة الأفريقية" المستحدثة مؤخراً يمكن رصد المبادرات الملموسة القادرة على تحقيق التغيير المطلوب. وفي هذا السياق تعمل اللجنة الأفريقية حالياً على إشراك جميع الفاعلين المعنيين بشؤون التنمية في أفريقيا من حكومات وباحثين ومنظمات مجتمع مدني وقطاع خاص وشركاء دوليين لاجتراح وسائل جديدة تنهض بالقارة وترتقي بقدرتها التنافسية في المضمار الدولي، لكن من أين نبدأ؟ الحقيقة أن الشركات الصغرى والمتوسطة المنتشرة على نطاق واسع في أفريقيا تمثل الفرصة الأهم لإنعاش النمو الاقتصادي وخلق الوظائف باعتبارها العمود الفقري للاقتصديات المزدهرة في العالم، وأول ما نبدأ به هو معالجة الصعوبات التي تواجهها تلك الشركات في الحصول على التمويل، أو الاستثمار. فعادة ما تمتنع البنوك عن منح قروض للشركات الصغرى والمتوسطة خوفاً من المخاطر المرتفعة، وربما غير المجدية اقتصادياً، لذا فإنه بتطوير الأسواق المالية في القارة الأفريقية يمكننا تشجيع البنوك على توفير السيولة للشركات وتمويل أنشطتها بمنحها قروضاً طويلة الأمد. ويمكن أيضاً مساعدة الشركات الصغرى والمتوسطة بالتخفيف من فاتورة الطاقة المرتفعة والسعي إلى خفضها، وهو بالطبع ما سينعكس إيجاباً على القدرة التنافسية للشركات الأفريقية في ظل أجوء بالغة التنافسية تطبع الأسواق العالمية. وفي هذا الإطار يمكن الاعتماد على الوسائل التكنولوجية البسيطة التي تنتج الطاقة وتوزعها بفعالية والمتواجدة حالياً بوفرة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والوقود البيولوجي، ومن شأن تحفيز المبادرات القادرة على إنتاج الطاقة بتكلفة أقل وفي نفس الوقت حماية البيئة من التلوث، تشجيع الشركات الأفريقية على توسيع أنشطتها والارتقاء بقدرتها التنافسية مقارنة مع الشركات الأجنبية. وهناك أيضاً مسألة الشباب والبطالة التي تؤرق المسؤولين الأفارقة، فقد باتت الصعوبات التي تعترض مسار المقاولين الشباب الذين يسعون إلى ترجمة أفكارهم إلى واقع وإخراج ابتكاراتهم ومشاريعهم إلى حيز الوجود... معروفة. والمشكلة أن العديد منهم يتوفر على الكفاءة المطلوبة والمهارات اللازمة ومع ذلك يواجه العراقيل، لذا نعكف حالياً ضمن اللجنة الأفريقية على صياغة مبادرة تستهدف الشباب وتعمل أولا على وضع آلية لمنح القروض للمشاريع الجيدة، وتوفير التدريب للأطر المختلفة التي ستدير المشاريع، فضلا عن متابعة الشركات لاحقاً بتقديم المشورة والدعم. وهكذا ومن خلال إنشاء اللجنة الأفريقية التي تبنت هذه المبادرات نكون قد وضعنا أسس تطوير الشركات الأفريقية وتشجيعها على التجذر في النسيج الاقتصادي الأفريقي، وهو الهدف الذي ينسجم مع جهود منظمات أخرى تسعى إلى تطوير المجتمعات الفقيرة واستحداث فرص عمل جديدة. وسنركز جهودنا في المرحلة القادمة على تحويل هذه المبادئ والرؤى إلى واقع ملموس تستفيد منه القارة الأفريقية، وذلك من خلال التنسيق مع الحكومات والقطاع الخاص وحشد التأييد للمبادرات المطروحة قبل انعقاد اجتماع اللجنة في شهر مايو المقبل. وفي الأخير يبقى هدفنا الأساسي هو مساعدة أفريقيا على الاستفادة من مكاسب العولمة والتأقلم معها من خلال تغيير أنماط التفكير، والأهم من ذلك نقل الجهود من مجرد تقديم المساعدات المالية إلى دعم الشركات الصغرى والمتوسطة ما دام مفتاح النجاح هو تحسين القدرة التنافسية لأفريقيا على الساحة الدولية وإدماجها في الاقتصاد العالمي كفاعل وليس مجرد مستهلك. جاكايا كيكويتي رئيس تانزانيا ----------- أنديرز فوخ راسموسين رئيس وزراء الدنمارك ------------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"