أعظم الخلائق الإنسان، لكن ألطف خلق الله هو المرأة، فنحن الذكور قساة، مشعلو حروب. أما المرأة فهي ذلك المخلوق المشرق الرائع، الذي يشع جمالا ورقة، ونعومة وأنوثة، وسحراً ودلالا. صوتها موسيقى، وحركاتها سحر، وفتنتها طاغية، وحضورها يؤنس، ويدفع الرحمة في المجتمع. لذا اعتبر القرآن أن الزواج هو الذي يحول البشر إلى كائنات إنسانية، بالمودة والرحمة والسكينة. وكل ذلك بفضل المرأة، فهي سيدة الوجود، وصانعة الحضارة بالثورة الزراعية، حين كان الفحل يهيم على وجهه في ظلمات الصيد وجمع الثمار. لذا كانت هي من ينجب، حملته أمه وهناً ووضعته كرهاً، وهي من تحمل أمانة نقل الثقافة، وتربية الرجل بمنحه العائلة والهدوء في كل معمعة، فبوركت يا أنثى فأنت موضع حب النبي وعطفه. فقد قال صلى الله عليه وسلم: حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة. فكانت المرأة المحبوبة الموهوبة أحد أسرار الحياة الثلاثة: الروح والريحان وجنة النعيم. المرأة هي من تحمل الثقافة والجنين، فتربي الطفل وترضعه الثقافة، وتنقل له اللغة والمفاهيم، فيتحول إلى كائن اجتماعي، ولولا المرأة لبقي الإنسان أقرب للشمبانزي والغوريلات والأورانج أوتان.. المرأة هي أم الحضارة ولولاها لما انبثقت الحضارة، وهو كشف تعرف عليه علماء الأنثروبولوجيا، لكن الرجل هو من تولى القيادة فأصبح المجتمع أحول أعرج، يقفز برجل واحدة مثل أسطورة شق وسطيح، فأما الأول فكان بدون فقرات مثل الكائنات الرخوية، وأما الثاني؛ فكان نصفا بساق واحدة، يقفز مثل الجراد. المرأة هي سيدة الجمال الباهر، واللطف والأنس، والشخصية المؤثرة، والمثقفة باعتدال وتسامح. سحر المرأة جذب كبار السن، ليبنوا بمن هن أصغر سناً، لهذا السحر الذي لا يقاوم، واللغز المحير في الأنثى؛ فبيكاسو سيد اللوحة وأبو السيريالية تزوج من أربع فاتنات كانت الأخيرة منهن في العشرينيات من عمرها. وشليمان الكهل أبو الاكتشافات، لم يشأ أن يضع كنز بريام من أنقاض طروادة، إلا على صدر حبيبته الصغيرة اليونانية، ذات العشرين ربيعاً. وسنان أبو العمران بنى ما بنى من جسور الإمبراطورية العثمانية، ثم بنى في نهاية حياته بشابة صغيرة وهو في الثمانين؛ فأنجبت له غلاماً زكياً. ونابليون وهو في جزيرة المنفى سانت هيلانة، آنسته خليلة حملت منه بطفلة. وسيشرون أبو الخطابة والجمهورية، أنهى حياته في حضن شابة صغيرة وهو في الستينيات، فمنحته أجمل ساعات حياته، في دنيا طوقتها الحروب الأهلية والمؤامرات والدماء تجري فيها كالأنهار. ونبينا، رسول الرحمة المهداة، تزوج بعائشة الصغيرة وظل معها حتى آخر لحظات حياته، محتفظاً بذكرى وفاء لخديجة. وهذه الأيام نحن في ذكرى عيد الحب "فالنتاين"، ونرى أزمة المجتمع العربي واضحة جداً بغياب المرأة، فالبيوت قلاع والنوافذ ضيقة والتهوية رديئة، كل ذلك بسبب الحجر على المرأة. والتعليم عاجز بسبب غياب المرأة. القسوة والحرب والظلم... تيار عارم بسبب غياب المرأة. لذا وجب أن نقف في برد فبراير لنأخذ قسطاً من دفء الحب في عيد فالنتاين، الذي عاش للحب وقتله الإمبراطور، لأنه يشيع الحب بين الجنود، فيتقاعسون عن مهمة ذبح الشعوب. قال جلال الدين الرومي في الحب: "سأقول لك كيف خُلِقَ الإنسان من طين؟ ذلك أن الله -جل جلاله- نفخ في الطين أنفاس الحبّ. سأقول لك لماذا تمضي السماوات في حركاتها الدائرية؟ ذلك أن عرش الله -سبحانه- يملؤها بانعكاسات الحب! سأقول لك لماذا تهبّ رياح الصباح؟ ذلك لأنها تريد دائماً أن تعبث بالأوراق النائمة على شجيرات ورود الحب! سأقول لك لماذا يتشح الليل بغلائله؟ ذلك أنه يدعو الناس إلى الصلاة في مخدع الحب! إنني لأستطيع أن أفسر لك كل ألغاز الخليقة فما الحل الأوحد لكل الألغاز سوى الحب!" فليكن يوم فالنتاين هذا عيد حب للجميع، تتبادل فيه القلوب أسرارها.