يرى بعض المراقبين أن إيران تهدف من تصعيدها الإعلامي الأخير ضد الإمارات إلى العمل على دمج ملف الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها ضمن ترتيبات الأمن الإقليمي في حوارها المحتمل مع الولايات المتحدة والحصول على تعهدات معينة بشأنه من الجانب الأميركي، وإن لم تستطع فعلى الأقل نسيانه لفترة طويلة، مثلما حدث بعد الانسحاب البريطاني وحتى عام 1991. ربما هذا هو التفسير المنطقي لتصريحات النواب الإيرانيين الذين يبدو أن شيئاً ما قد أصاب عقولهم بتجاوزهم هذه المرة الحق التاريخي لدولة الإمارات في جزرها الثلاث التي تحتلها بلادهم (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبوموسى)، إلى حد التطاول على سيادة دولة الإمارات بزعمهم أنها كانت جزءاً من سيادة إيران، بل والتلويح بشن حرب في حال تمسكت الإمارات بالمطالبة بحقها في أراضيها المحتلة. لإيران أهدافها السياسية والاستراتيجية فيما يخص استفزازها الأخير لدولة الإمارات، باعتبار أن النظام الإيراني في "مأزق سياسي" نتيجة للعرض الأميركي الذي لم تكن القيادة الإيرانية تتوقعه من الإدارة الأميركية الجديدة للدخول في حوار معها يشمل كافة الملفات. ونحن في الإمارات ندرك أن هذا المأزق السياسي يشمل أيضاً التطورات السياسية الحاصلة في العراق بعد الانتخابات الأخيرة، حيث خسرت الأحزاب التي كانت لديها علاقة مع إيران. وبعد التحولات الجديدة في المنطقة، فقدت إيران الأوراق الاستراتيجية التي كانت بيدها؛ الآن "حزب الله" اللبناني مقيد بالاتفاقيات الدولية التي عرقلت تحركات الحزب، والآن هناك اتجاه لتقييد "حماس" في غزة؛ الأمر الذي يعني أن إيران في مأزق حقيقي، على الأقل من خلال مصداقيتها الدولية، حتى في الملف النووي بدأ هناك تضييق على إيران. لابد أن يعرف الإيرانيون أن مثل هذه التصريحات، برغم أنها ليست جديدة، هي مرفوضة جملة وتفصيلا بالنسبة لنا، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على أن النواب الإيرانيين افتقدوا البصيرة وأصابهم العمى السياسي في التعامل مع دولة الإمارات، وباتوا لا يفرقون بين الجار والعدو، وتغافلوا عن مواقف الإمارات الإيجابية معهم، وبالأخص قبل ثلاث سنوات فقط عندما وصل الحديث في واشنطن وتل أبيب التي تفضل الخيار العسكري، إلى توجيه ضربة عسكرية ضد إيران؛ فتحركت الدبلوماسية الخليجية والإماراتية تحديداً لإقناع المسؤولين الغربيين بالعواقب الوخيمة لتلك الضربة؛ أي أن الإمارات لعبت دور المرجح لمنع ضربة ضد إيران، مع قناعتنا بأن هناك أسباباً أخرى. لقد ذكّرنا هذا التصعيد بما قرأناه حول احتلال إيران للجزر؛ فإيران مثلما استغلت رغبة بريطانيا في الانسحاب من المنطقة في عام 1971 واستولت على الجزر الإماراتية، فالواضح اليوم أنها تسعى من هذا التصعيد وكذلك من تحركاتها الإقليمية أن تسبق واشنطن وتضع ملف احتلالها للجزر الإماراتية على طاولة المفاوضات مع واشنطن. ومن المناسب هنا التأكيد للنواب الإيرانيين أن مثل هذه التصريحات المستفزة ربما تنهي البقية الباقية من التعاطف الإماراتي والخليجي فيما يخص خلافها مع المجتمع الدولي بشأن تهديد السلم الدولي، فالإماراتيون بكل وضوح لا يقبلون مثل هذه التصريحات التي تشير إلى حماقة غير مسؤولة. وربما البراجماتية الإيرانية في مسعاها نحو إغلاق ملف الجزر الإماراتية لصالحها تراهن فيها على السياسة الأميركية، كما راهنت قبل إقامة الاتحاد على السياسة البريطانية، باعتبار أن المصلحة القومية للسياسة الغربية هي المحرك الأساسي في تعاملاتها مع الدول، إلا أن هناك متغيرات إقليمية أخرى تعمل عكس الرغبة الإيرانية؛ أهمها المتغير الإسرائيلي، وكذلك المتغير الخليجي الذي لن يقبل أن تتم الترتيبات بعيداً عنه، وهناك كذلك المتغيرات في الداخل الإيراني، والداخل الأميركي. فهذه المتغيرات ربما لا تؤدي إلى اكتمال ما تسير إليه القيادة الإيرانية الحالية؛ ما يعني أن الأمر يحتاج إلى الرويّة والعقلانية وعدم التهور السياسي. الحوار الأميركي الإيراني لم يتبلور بعد، وإن كانت نية أوباما موجودة، وهي مرهونة بمدى مرونة إيران. ومن هذا المنطلق، فإنه يكفي القادة الإيرانيين خسران الأصدقاء وافتعال الأزمات.