بريطانيا أعلنت رسمياً أن اقتصادها يواجه أزمة عالمية وأنها بصدد اتخاذ إجراءات ضرورية لمواجهة الأزمة. توقعات صندوق النقد ذهبت إلى أن الأزمة مستمرة وأن ما هو قادم أسوأ وأن على الدول اتخاذ كل الحيطة وحث مواطنيها على التعامل مع الأزمة وفق رؤية واقعية. معدلات البطالة سترتفع ومؤسسات مالية تقلق وشركات تفلس والجريمة ترتفع والتفكك الأسري يستشري والانتحار وسيلة للهروب من مواجهة الواقع. إذن هناك واقعية في التعامل مع الأزمة والواقعية جزء من الحل في المواجهة. بينما الحال يختلف في الدول العربية وتحديداً النفطية منها، ولو أخذنا المثال الكويتي لوجدنا تعاملا غريباً، سواء من الحكومة أو مجلس الأمة، فالحكومة مازالت تعمل على وضع استراتيجية للتعامل مع الكساد العالمي الذي مس الاقتصاد المحلي، والمجلس يطالب الحكومة بمزيد من الصرف من ميزانية الدولة ومزيد من الانفاق الاستهلاكي ومزيد من الإغداق على المواطنين على اعتبار أن المواطن أولى بمال الدولة... وهكذا نجد الوضع يتعقد والدولة تقف حائرة في مواجهة الكساد العالمي. وببساطة، فإن الحكومة الكويتية تريد إنقاذ المؤسسات المالية الكبيرة، ومجلس الأمة يرى في ذلك محاباة لذوي النفوذ على حساب المواطن العادي الغارق في الديون، ويطالب الحكومة بشراء مديونيات المواطن والمعاملة بالمثل. الحكومة لا تملك سياسة واضحة وعاجزة عن التعامل مع الأزمة بحيادية والمواطن العادي لا يدرك طبيعة الأزمة حيث تعوّد على وقوف الدولة معه وتربّى على أن المال النفطي لا ينتهي وأنه الأولى بماله، وأن ما تقدمه الدولة من مساعدات خارجية هو نوع من الإنفاق السياسي غير الضروري، وأن الدولة وفق هذه المعادلة عليها أن تقطع كل التزاماتها السياسية لكي لا "يزعل" عضو البرلمان، وفي الوقت نفسه الحكومة غير قادرة على التعبئة الإعلامية لتوعية المواطن بدوره، لأنها (أي الحكومة) لم تفكر بالمواطن المسؤول قط وكل تفكيرها ذهب نحو تدريب وتربية المواطن على علاقة الطاعة بما تحتويه من مفاهيم تقليدية تعني أن هناك من يصرف عليك ويربيك ويعلمك مقابل طاعتك له. الدولة النفطية قلّما فكرت في تصحيح العلاقة مع مواطنيها، وفي ضرورة تعلية مفهوم الوطن، وكأن التفكير يتوجه نحو تعضيد المفاهيم التقليدية. وفي الحالة الكويتية، حيث كان يفترض من الديمقراطية تطوير العلاقة بين المواطن والدولة، لاسيما أن الديمقراطية تتطلب المشاركة المسؤولة وتتطلب الوعي بدور المواطن والدولة. في المثال الكويتي نلاحظ استمرار التعنت في العلاقة بين السلطتين، ولعبة شد الحبل مستمرة خصوصاً بعد إعلان جماعة "الإخوان" تقديم استجواب لرئيس الحكومة على اعتبار أنه غير قادر على إدارتها، وفي الوقت نفسه تهدد مجموعة من الأعضاء باستجواب الرئيس إذا لم يطرح برنامجاً لتسوية مديونيات المواطنين. وهكذا نجد أن الوضع يتعقد دون معرفة ما إذا كانت العلاقة المتشنجة بين السلطتين تدفع بمزيد من التآزيم الذي له تداعياته المحلية والإقليمية. الدولة الحديثة لها ثمن، وما حدث في بريطانيا هو التصرف المسؤول، أما ما جرى بين الحكومة والبرلمان في الكويت فيوضح أن هناك فكراً قديماً لا يريد أن يدفع ثمن الدولة الحديثة، فالجميع يجنون ما زرعوه ولا شك في أن الأوضاع تتعقد، وأن من يساوم على مسك كل أوراق اللعبة بيده فهو واهم.