تصوروا أن بنيامين نتانياهو وجد من هو أسوأ منه فبات يستخدمه فزَّاعة ليخيف الناخبين بها، متطلعاً إلى فزعتهم لمصلحته كونه "حمامة" بالمقارنة مع "صقر الصقور" أفيجدور ليبرمان . الوسط السياسي في إسرائيل يعيش، على ما يبدو، كابوساً معلناً، فالمهاجر "المولدوفي" حقق اختراقاً مثيراً كما لو أنه من "الآباء المؤسسين" للدولة العبرية الجديدة. يتصرف المرشحون التقليديون لانتخابات اليوم، وكأن هناك من غافلهم وخطف منهم أصواتاً ومقاعد في الكنيست المقبلة، لا أحد منهم يجرؤ على انتقاده مخافة أن يزيد شعبيته المتصاعدة، لا أحد منهم يجرؤ على الجهر باستبعاد التحالف معه في أي حكومة جديدة. كلهم عبروا بوابة العنف والتطرف والوحشية إلا أنهم يشعرون بأنه يفوقهم جميعاً، كلهم يخشونه لأنه ضبطهم متلبسين بسرقة أساليبه المافياوية لكن أياً منهم لا يستطيع أن يبزّ زعيم المافيا عندما يتعلق الأمر بالقتل. فليأتِ المدعو ليبرمان، وسيكون الخيار الأفضل لإسرائيل، بل أفضل ما يمكن أن يحدث لها، لأنه سيكشف وجهها الحقيقي، وربما يكشف أخيراً وجوه "العالم المتحضر" الذي يساندها تحديداً لأنها ديمقراطية غربية في شرق متعسر الدمقرطة. فهذا زعيم منتخب لا يدعو إلى ما هو أقل من الإبادة، كل ما هو أدنى من ذلك لا يعنيه، إذ أنه لا يريد أن يرى عرباً، لا داخل إسرائيل ولا على تخومها، فلو عاد الأمر له، كما يقول، لأنذر السلطة الفلسطينية بأنه في العاشرة من صباح اليوم التالي سيقصف كل أمكنة عملها في رام الله. ولو عاد الأمر له، كما يقول، لكان حقق نصراً حقيقياً عبر كسر طموح "حماس" ودوافعها لـ"مقاتلتنا"، كما حصل لليابانيين في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، مشيراً إلى استخدام قنبلة ذرية. أفيجدور المرعب سيكون له دور حاسم، فهو من سيقرر ويتحكم في من سيرأس الحكومة بعد الانتخابات، تسيبي ليفني أم نتانياهو، وهذان الاثنان سيكونان محكومين بخطب ودِّه. وإذا كان لهذا الزعيم أي مستقبل فسنراه في البيت الأبيض، وفي الأليزيه، وفي 10 داونينج ستريت، ساعياً إلى إقناع داعميه بضرورة الاسترشاد بأساليب أدولف هتلر للتعامل مع العرب، وسيبتسمون له، سترون سيبتسمون له ويربّتون على كتفه مرحبين بشجاعته ووضوح رؤيته. سيقولون طالما أنه من اختاره الإسرائيليون فهو خير وبركة، سينسون أنه كان قد طالب بتدمير السد العالي في أسوان، وأنه يريد ترحيل عرب 1948 بادئاً بـ"إعدام العملاء (الأعضاء العرب) في الكنيست" إذا لم ينجحوا في "اختبار الولاء" الذي سيفرضه عليهم. صعود ظاهرة ليبرمان يمثل، كما يقدمها المحللون الإسرائيليون، ميلاً إلى التطرف في المجتمع، رداً على التطرف داخل المجتمع الفلسطيني المتمثل في نظرهم ب"حماس". هل يعني ذلك أن جميع من مروا قبله كانوا من المعتدلين، شارون لم يمت بعد رسمياً، موفاز وباراك من القتلة المحترفين، حالوتس وأشكينازي من أبشع جنرالات التدمير المنهجي... هذه العينة من "المعتدلين" تستحق أن يمثل أبطالها أمام أي محكمة لمجرمي الحرب. أما ظاهرة ليبرمان فيمكن اعتبارها ترفاً إسرائيلياً للتمتع بابتعاد احتمالات السلام ومتطلباته، فإذا كان "الاعتدال" قد جاء بورطة التفاوض والبحث في تفكيك الاحتلال وإزالته، فلا شك أن التطرف قد جاء بنعمة التخلص من عناء المفاوضات، وعزز الآمال بإدامة الاحتلال. إذاً، العبرة: طالما أن الفلسطينيين ذهبوا إلى "حماس" فليذهب الإسرائيليون إلى "اسرائيل بيتنا". ومثلما أن السلام يتطلب شريكين، كذلك التطرف يحتاج إلى طرفين، صحيح أن الأخيرين ليسا شريكين إلا أن أحدهما يبدو مبرراً بوجود الآخر. يخشى أن يكون "الحظ السعيد"، الذي خدم باراك أوباما طوال مسيرته للوصول إلى البيت الأبيض، سيعفيه من امتحان الشرق الأوسط، ففي وضع عربي بالغ القتامة، ووضع فلسطيني بائس، ووضع إسرائيلي يتألق فيه أمثال ليبرمان، لابد أن يقول الرئيس الأميركي: آسف، المنطقة غير جاهزة لمبادرة كبرى، سنحاول لاحقاً.