حملت صحف الرابع من هذا الشهر نبأ وضع إيران لأول قمر اصطناعي صنعته، في مداره، وذلك تزامناً مع الاحتفال بالذكرى الثلاثين لثورتها. تتمة الخبر أن القمر أطلق بواسطة صاروخ "سفير2" الذي أفادت وكالة الأنباء الإيرانية أنه بدوره صنع في إيران، وأن القمر مخصص للاتصال بمحطة أرضية لإجراء قياسات مدارية، وبذلك تكون إيران هي الدولة الثانية في المنطقة بعد إسرائيل التي تمتلك قدرة على إطلاق أقمار اصطناعية، وكان قد سبق لإيران إطلاق قمر اصطناعي في2005 إلا أنه كان قد أطلق بصاروخ روسي. بعدها بيومين اثنين فقط (أي في السادس من فبراير) حملت الصحف نبأً لم يثر اهتماماً دولياً -وربما عربياً- يذكر وهو توقيع "المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية" (عربسات) عقوداً لتصنيع قمرين اصطناعيين جديدين وإطلاقهما، وذلك مع شركتين عالميتين لتصنيع القمرين، وثالثة لإطلاقهما بتكلفة إجمالية تتجاوز 600 مليون دولار، وصرح الرئيس التنفيذي لعربسات أن القمرين الجديدين سيقدمان خدمات البث التلفزيوني الفضائي والاتصالات الفضائية لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا وشبه القارة الهندية. لا أدري ما إذا كان هذان الخبران قد أثارا قلق أحد من المسؤولين العرب، لكن المؤكد أن إطلاق قمر إيراني الصنع بواسطة صاروخ إيراني الصنع أيضاً قد أثار قلقاً أميركياً وأوروبياً وإسرائيلياً. مبعث القلق أن إطلاق القمر الإيراني له دلالاته فيما يتعلق بتكنولوجيا الصواريخ البالستية والقدرة على تحميلها رؤوساً نووية. اعتبر الناطق باسم البيت الأبيض الخبر دليلاً على أن إيران تتصرف بطريقة غير مسؤولة فيما يتعلق بإحلال الاستقرار والأمن في المنطقة، ولم يخرج وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية والمتحدث باسم الخارجية الفرنسية عن هذا المزاج العام في التعليق على الحدث، وأضاف مسؤول عسكري في حلف شمال الأطلسي أن إطلاق القمر يعني أن صواريخ إيران قادرة على الانطلاق إلى مسافة ما بين 2000 و3000 كلم، وأن مداها يصل إلى أجزاء من أوروبا وإسرائيل. أما وزير الدفاع الإسرائيلي فزاد عن كل ما سبق. لا تعنيناً كثيراً التصريحات السابقة، فهي تنطلق من المصالح الأميركية والأوروبية والإسرائيلية، و لكن ما يعنينا بالتأكيد هو دلالة الأحداث السابقة فيما يخص العلاقات العربية- الإيرانية. فإيران كان لها دوماً، وما زال، مشروعها الإقليمي، والمشكلة تكمن في أن بعض أبعاد هذا المشروع يتعارض صراحة مع المصالح العربية، فإيران تحتل أراضي عربية هي جزر الإمارات الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، ولا تمتثل لقبول الاختصاص الإلزامي لمحكمة العدل الدولية فيما يتعلق بالفصل بينها وبين دولة الإمارات في هذا الصدد. وإيران تريد أن تكون لها اليد العليا في الشأن العراقي مستغلة في ذلك الخلخلة الهائلة التي حدثت في الفضاء العراقي بعد الاحتلال الأميركي. وإيران بالإضافة إلى ذلك تتغلغل في غير موقع من النظام العربي مستغلة الفراغ الذي خلفه عجز هذا النظام عن توفير الأمن لوحداته. وبطبيعة الحال هناك من العرب من يرى أن هذه الخلافات أو التناقضات ترقى إلى مرتبة التناقض الرئيسي، بمعنى أن لها الأولوية على ما عداها من تناقضات، وقد بدا صوت هذا البعض واضحاً إبان أزمة العدوان الإسرائيلي على غزة. وهناك من العرب أيضاً من لا يعتقد بوجود تناقضات، ويعتبر إيران حليفاً. وإذا صح هذا فإن العرب بحاجة إلى استراتيجية فعالة مبنية على رؤية واضحة للتعامل مع إيران، ولكي يتحقق هذا يجب أن يكون هناك أولاً طرف عربي واحد وليس أطرافاً عربية متباينة الرؤى، وأن تكون هناك ثانياً قوة عربية توازن القوة الإيرانية حتى تصبح التوجهات والمطالب العربية مستندة الى قاعدة للقوة تضفي عليها الجدارة المطلوبة كي تتجسد على أرض الواقع. ولقد كان المد القومي العربي في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي وسنوات الستينيات التي سبقت هزيمة1967 كفيلاً بالتصدي لمحاولات مد النفوذ الإيراني في النظام العربي، وهي محاولات لا ترتبط كما هو واضح بنظام محدد للحكم وإنما بمصالح الدولة الإيرانية، ثم كانت القوة العراقية مستندة إلى دعم عربي متعدد الأبعاد جدار صد لمحاولات الثورة الإيرانية نشر مفاهيمها، وبالذات إبان الحرب العراقية- الإيرانية (1980-1988) رغم كل المآخذ عليها. ولكل ما سبق فإن إطلاق قمر اصطناعي إيراني بصاروخ إيراني حدث ينبغي للعرب أن يتوقفوا عنده طويلاً بقدر ما يمكن اعتباره علامة مهمة على الخلل في عملية بناء توازن قوى عربي- إيراني يسمح للعرب بتحقيق مصالحهم المشروعة، ولا يجعلهم عرضة للابتزاز من إيران أو غيرها، بل ويُمكِّنهم في ظل ظروف صحية من أن يمدوا يداً واثقة للتعاون مع إيران في عديد من القضايا. لقد أصبح البرنامج النووي الإيراني قضية فرضت نفسها على الساحتين الإقليمية والدولية، وللأسف فإن العرب اكتفوا "بالانتباه" إلى هذه القضية، لكن سجل "الفعل" بقي خالياً، ولذا اتخذت قمة الرياض2007 على سبيل المثال قرارات مفيدة في هذا الصدد، أي في شأن سياسة نووية عربية، لكن مردود هذه القرارات معدوم حتى الآن، ونتحدث الآن عن تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية والصواريخ الحاملة لها والتي بدا من الواضح أن إيران حققت فيهما سبقاً على العرب فيما نحن مكتفون بالتعاقد مع الغير على تصنيع الأقمار وإطلاقها، ومعتزون بأن كفاءة عربسات قد ارتفعت بدليل إطلاقها قمراً كل سنة، وبأنها -أي عربسات التي تأسست في1976 من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية أي قبل الثورة الإيرانية بثلاث سنوات- مصنفة في المرتبة التاسعة من حيث الحجم بين أفضل "مشغلي" الأقمار الاصطناعية في العالم. من الواضح إذن أن أداء العرب في سعيهم للحفاظ على مصالحهم المشروعة تجاه إيران وغيرها لا يبدو مطمئناً، ولكي يضع العرب أقدامهم على أول طريق الأداء السليم يتعين عليهم أن يقوموا بمراجعة شاملة لسياسات ثبت عقمها في عالم لم يعرف أبداً سوى لغة القوة.