الغائب في كل الحديث الدائر الآن حول خطة الحفز الاقتصادي في كل من البيت الأبيض والكونجرس، هو تمويل الدفاع القومي والبرامج المرتبطة به. وفيما لو تضمنت خطة الحفز الاقتصادي هذه تخصيص 20 مليار دولار إضافية للزيادة السنوية المقررة سلفاً في حجم الإنفاق الدفاعي، فهو مبلغ ضئيل للغاية ويكاد لا يساوي شيئاً بين مئات المليارات التي تشملها الخطة. ورغم ضآلة هذه الزيادة، فيما لو حدثت، فهي تمثل سياسة ذكية وصائبة دون أدنى شك. لكن قبل المضي في هذه التفاصيل، دعونا نناقش الحجة التي يقوم عليها هذا المطلب. فخلال فترة الانتقال الرئاسي، أعلن طاقم الرئيس أوباما عن ثلاثة مبادئ أساسية تقوم عليها سياسة إنفاق الأموال المخصصة لخطة الحفز الاقتصادي. أولها، أن يكون الإنفاق مواتياً وحسن التوقيت، بمعنى الإسراع في ضخ أموال الخطة في الدورة الاقتصادية القومية ما أمكن ذلك. وثانيها أن يخصص الإنفاق لتحقيق أهداف بعينها، بمعنى أن يكون ذا قيمة مضافة واضحة لصالح الأمة الأميركية. ثالثاً، أن يكون مؤقتاً، أي ألا يتحول إلى برنامج أو التزام مالي طويل المدى، يتحول إلى عبء اقتصادي على الحكومة ويسبب خللاً في ميزانيتها. وإذا ما طبقنا هذه المعايير الثلاثة على البرامج الدفاعية فسنجد أنها تستوفيها تماماً بل تزيد عنها ملاءمة. ومقارنة ببرامج البنية التحتية التي تتطلب مدة زمنية أطول للتخطيط، وتمر بعمليات تصميم وموافقة عليها طويلة ومعقدة، نجد أن توسعة البرامج الدفاعية التي يتسم أداؤها بالكفاءة أصلاً، لن يستغرق سوى وقت قصير للغاية. ولن تضخ الدولارات المنفقة على هذه البرامج بسرعة مذهلة إلى دورة اقتصادنا القومي فحسب، وإنما سيكون لها أثرها الإيجابي المضاعف، لأنها تساهم في حماية الوظائف التي يوفرها المقاولون الرئيسيون وتلك التي يوفرها مقاولو الإمدادات أيضاً. بل سيكون لزيادة حجم الجيش أثره المباشر والفوري على التوظيف، خاصة وأن الإنفاق على الطاقم البشري للجيش يبدأ مباشرة من لحظة إجازة الميزانية المخصصة لزيادة عدد القوات. وإلى هذا الجانب يضاف أثر جانبي آخر يتمثل في حصول آلاف الشباب على التدريب الذي يفتقرون إليه. وكما نعلم فإن الجنود يتعلمون الكثير من المهارات، وهي مهارات لا تقتصر على الجانبين الفني والتكنولوجي فحسب، وإنما تشمل تطوير الحس القيادي والمميزات الشخصية وانضباط السلوك. ويمكن للإنفاق الدفاعي أن يوجه نحو تحقيق أهداف معينة من تلك التي ترمي إليها خطة الحفز الاقتصادي. فوفقاً للتشريع الحالي، خصصت مئات ملايين الدولارات لتمويل الولايات ومساعدتها، دون أن يدرك البيت الأبيض ولا الكونجرس أين ستنفق تلك الأموال على وجه التحديد. خلافاً لذلك تدرك الحكومة الفيدرالية مباشرة، وبكل وضوح، أين ينفق كل دولار من الدولارات المخصصة للتمويل الدفاعي. ثم إن برامج الدفاع لا تمثل التزاماً مالياً أبدياً للخزانة الفيدرالية. فعقب نهاية الحرب الباردة تم خفض الجنود الذين يؤدون الخدمة العسكرية بمعدل 700 ألف فرد، بينما انخفضت خلال الفترة نفسها مشتريات الأسلحة بمعدل الثلث. وإلى ذلك الخفض يعود ما يعرف بأسهم السلام وفائضاته، التي أضيفت إلى رصيد الخزانة الفيدرالية في عقد التسعينيات. على أن من شأن الاستمرار في صنع طائرتي F-18 وF-22 المقاتلتين لمدة تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات، ما يوفر جسراً تكنولوجياً لتطور صناعة الطائرات الحربية، ريثما تتمكن هذه الصناعة من تطوير الطائرة الأكثر حداثة من طراز F-35 Lightning. وما أن يكتمل صنع هذه الطائرة ودخولها عملياً إلى الخدمة الميدانية، حتى يمكن التخلص من الطرازين السابقين لها، بحيث لا يكون وجودهما إلا ثانوياً في ساحات القتال. وعليه فإن هذا الإجراء سيكون مؤقتاً للغاية. وإذا ما قرر الرئيس أوباما وضع حد فوري لبرنامج العمل على طائرة F-22 فسوف يتعين عليه تسريح 25 ألفاً من العاملين في ذلك البرنامج خلال أشهر معدودة فحسب، إضافة إلى التخلص من عدد آخر يتراوح بين 50 و75 ألف عامل في مجال إمدادات البرنامج. وإلى جانب تلك الخسائر، ستكون الإدارة قد فوتت أي فرصة لبيع منتجات هذه الطائرة إلى حلفاء أميركا في اليابان وأستراليا وإسرائيل وغيرها، ما يعني خسارة عشرات المليارات من الدولارات التي أنفقت من جيوب دافعي الضرائب الأميركيين لتطوير برنامج صنع الطائرة المذكورة. وإلى جانب ذلك ينبغي للإدارة الحفاظ على عدد هائل من القدرات العسكرية المتعددة، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن التزامات أميركا العسكرية لا تقف عند حدود العراق وأفغانستان فحسب، بل تتعداهما إلى أبعد من ذلك بكثير. ولنا في الاختبارات الصاروخية التي أجريت في كل من إيران وكوريا الشمالية مؤخراً خير تذكرة بسعة هذه الالتزامات. يذكر أن بيتر أورسزاج، مدير مكتب الإدارة والميزانية، أخطر وزارة الدفاع للتو بعدم إجراء أي تعديلات جديدة على ميزانيتها. غير أن تجاهل احتياجات الدفاع يتناقض وخطة أوباما لحفز الاقتصاد القومي، ويهدد بإضعاف المبادرة السياسية التي قامت عليها. توم دونلي _____________________ باحث في الشؤون الخارجية وسياسات الدفاع -معهد "أميركان إنتربرايز". جاري شميت ____________________ مدير الدراسات الاستراتيجية بالمعهد نفسه ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"