الاجتماع الذي عقد في أبوظبي لوزراء خارجية تسع دول عربية منتصف الأسبوع الماضي، جاء في توقيت جيد لإلقاء طوق النجاة للفصائل الفلسطينية المتناحرة خاصة "فتح" و"حماس". إن اضطراب الوضع العربي والتأثيرات الخارجية على القوى الفلسطينية، قد أسفرت عن تكريس حالة الانفصال بين إقليمي الدولة الفلسطينية المستقبلية. ليس هذا فحسب، بل إن هذه الاضطرابات وهذه التأثيرات كشفت عن احتمال تكوين مرجعيتين تمثلان الشعب الفلسطيني بدلاً من الالتحام في مرجعية منظمة التحرير وتعزيز قوتها وأدائها. إلقاء طوق النجاة إذن أصبح ضرورة ملحة لاستثمار وجود إدارة أميركية جديدة مستعدة للاهتمام بالتسوية السياسية، ذلك أن استمرار الاضطراب واتساع الفجوات داخل الصف الفلسطيني يقدمان هدية استراتيجية ثمينة لرئيس الوزراء الإسرائيلي المرجح أن يفوز في الانتخابات التي تعقد في العاشر من الشهر الحالي، سواء كان نتانياهو الذي تشير استطلاعات الرأي العام إلى رجحان فوزه أم كان غيره. المسلك الإسرائيلي في عهد رئاسة حزب "كاديما" للحكومة، تميز بالتسويف والمماطلة في عملية التفاوض إلى أن انتهى عام 2008 بوعوده التي انطلقت في مؤتمر "أنابوليس". وإذا كان هذا مسلك المعتدلين الذين توجوا عهدهم بسلسلة من الفظائع وجرائم الحرب ضد السكان المدنيين في غزة، فما بالنا بالمسلك المتوقع من زعيم "ليكود" المتطرف بنيامين نتانياهو؟ الرجل يبني برنامجه السياسي في التعامل مع القضية الفلسطينية على مقولة بسيطة مفادها إن الوضع الفلسطيني الحالي غير جاهز للتفاوض على إقامة دولة فلسطينية في مسار سياسي، ولذا فإنه يفضل مساراً اقتصادياً لعدة سنوات تتركز فيه الجهود على إعداد البنية الأساسية والاقتصادية للشعب الفلسطيني. قبل أن يخطو إلى مقعد الحكم إذن، أفصح نتانياهو عن رغبته في المماطلة والتسويف وأبلغ المبعوث الأميركي ميتشيل بهذا الرأي عند لقائه معه في إسرائيل. إذن السؤال المطروح هو: ما الذي يمكن أن ينجم عن الوضع الفلسطيني الممزق والمشتت سوى إعطاء الفرصة الذهبية للحكم الإسرائيلي الجديد برفض الضغوط العربية الهادفة إلى تطبيق مبادرة السلام العربية؟ إن هذا الوضع الفلسطيني يعطي الحكومة الإسرائيلية الجديدة الفرصة للقول إن فكرة الدولة الفلسطينية أصبحت مستحيلة التطبيق في ظل وجود سلطتين فلسطينيتين وإقليمين مستقلين. ومن هنا أرى أن اجتماع أبوظبي يمثل طوق نجاة لانتشال الفصائل من صراعاتها خاصة أن الوزراء المجتمعين قد كشفوا أن الاجتماع ستعقبه اجتماعات أخرى في الاتجاه نفسه. إنني أرجو أن تكشف الأيام المقبلة عن الآثار الإيجابية التي بشرنا بها تصريح وزير خارجية الإمارات سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، عندما أوضح أن الاجتماع تم في إطار المشاورات المستمرة بين الدول العربية وتأكيداً لحرصها على تعزيز التضامن انطلاقاً من دعوة المصالحة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين في القمة الاقتصادية في الكويت. إن توقعات المراقبين من هذه البشارة ترقى إلى أن تكشف حالة من التقارب الفلسطيني الداخلي من ناحية وحالة من التفاهم العربي تسد الفجوة في سياسة المحاور القائمة. التأثيرات الخارجية تلعب دوراً مؤثراً في الوضع العربي المضطرب، ولذا فإن قول الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان في هذا الصدد، يمثل بشارة أخرى حيث قال.. نعمل جميعاً لتجاوز هذا الوقت العصيب ولضمان عدم تدخل أي أطراف غير عربية وغير مرغوبة في شؤوننا وبصورة غير ضرورية. إن هذه البشارة تعزز توقعاتنا حول التطورات المرغوبة في الساحة العربية قبل انعقاد القمة العربية في مارس في الدوحة. تقريب المواقف وإخلاص الوجوه لصالح الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة والموحدة والديمقراطية التي تسمح لكافة الفصائل بأداء أدوار في بنائها وفي تداول السلطة فيها، يمثل الأمل الذي تنتظره جماهير الأمة من زعمائها. لا أحد ممن عاصروا نزيف الدم الفلسطيني على مدى يجاوز ستين عاماً، يريد لقضية هذا الشعب أن تدخل منعطف التيه بين شعاب الفتن الداخلية وفقدان بوصلة الطريق نتيجة للتأثيرات غير العربية التي تغوي بسياسات المحاور، وتعمق الشروخ العربية. نريد دولة فلسطينية لا اثنتين، ونريد شعباً موحداً يقدم نموذجاً لتحويل الخلافات الأيديولوجية إلى مسار الخلاف الديمقراطي والاحتكام إلى صناديق الانتخاب التي تجسد إرادة الشعب الوطنية.