خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة، توجه أحد المحققين الصحفيين بالسؤال التالي عن باراك أوباما: بالنظر إلى نقص خبرته في الشؤون الدولية، كيف له أن يتصدى لقضايا السياسة الخارجية، إلى جانب تصديه لتحديات الشؤون الداخلية؟ عندها أجاب أوباما بالقول إن على البيت الأبيض أن يكون مؤسسة قادرة على القيام بمهام متعددة في وقت واحد، بحيث يستطيع التصدي لمجموعة متزامنة من الأزمات. وبعد مضي 16 يوماً فحسب على توليه منصبه الرئاسي، أثبت أوباما أنه ذلك القائد القادر على التصدي للمهام والواجبات المتزامنة، على نحو ما نرى من مواجهته للقضايا الخارجية والداخلية في آن. فداخلياً، يتصدى أوباما لأحد أكبر التحديات الاقتصادية التي واجهتها الولايات المتحدة في العقود الأخيرة الماضية. أما خارجياً، فقد أظهر أوباما عزماً وخطا خطوات جديدة جريئة، وتحدث بنبرة مختلفة عن جهود دبلوماسية بلاده الدولية. وكانت أولى الخطوات إصداره أمراً بإغلاق سجن جوانتانامو خلال عام واحد. وأتبع ذلك بأمر آخر يقضي بإجراء التحقيقات مع المشتبه في ارتكابهم جرائم إرهاب، وفقاً لمرشد العمل الميداني للجيش الأميركي، ما لم تقتض ظروف استثنائية خلاف ذلك. ولقي كلا الأمرين الرئاسيين ترحيباً وإشادة، لكونهما يحدثان تحسناً كبيراً في صورة أميركا في أعين العالم الخارجي. ومن الخطوات الدبلوماسية المهمة، تعيينه مبعوثاً دبلوماسياً بوزن جورج ميتشل بهدف التوصل إلى تسوية للنزاع الفلسطيني -الإسرائيلي طويل الأمد. وفي خطوة شبيهة، ابتعث ريتشارد هولبروك إلى منطقة جنوب غرب آسيا، بهدف التصدي لمشكلات الحرب والاضطرابات الدائرة في كل من أفغانستان وباكستان. وفي بادرة على قدر كبير من الأهمية بعث بها أوباما إلى العالم الإسلامي، اختار أن يكون أول لقاء صحفي له عقب توليه الرئاسة مع قناة "العربية"، الممولة من قبل المملكة العربية السعودية. وبذلك الاختيار، تفادى أوباما قناة "الجزيرة" التي كثيراً ما انتقدت بسبب رسالتها الإعلامية المعادية للولايات المتحدة، بقدر ما تفادى "قناة الحرة" الممولة من قبل الحكومة الأميركية. وعبر ذلك اللقاء التلفزيوني الأول من نوعه، تمكن أوباما من الوصول إلى نحو 23 مليون نسمة من مشاهدي القناة في منطقة الشرق الأوسط، وتحدث قائلاً إن له أقارب مسلمين، وأنه سبق أن أقام في إندونيسيا المسلمة. ودعا أوباما إلى شراكة جديدة بين بلاده والعالم الإسلامي تقوم على المصلحة والاحترام المتبادلين. وقد فسرت كل هذه المؤشرات خارجياً، على أنها تمثل تغيراً في نبرة سياسات واشنطن الخارجية على أقل تقدير. والدليل أن إيران نفسها رحبت بتصريحات الرئيس الأميركي الجديد. كما أفاد أوباما سياسياً من انتخابات المحافظات العراقية، التي يمكن وصفها بالنزاهة والحرية والخلو نسبياً من العنف، بما يشكل دليلاً على التقدم الديمقراطي هناك، على الطريقة الشرق أوسطية. وفي كل ذلك ما يسهل على الولايات المتحدة الانسحاب المخطط والمدروس عسكرياً من العراق، علماً بأن هذا الهدف كان بين الوعود الرئيسية التي قطعتها حملة أوباما الانتخابية للناخبين الأميركيين. لكن من أجل تحقيق بعض هذه الأهداف المعلنة والتصدي للمشكلات العصيبة التي يواجهها الرئيس، فالمطلوب هو أكثر من مجرد تغيير نبرة الدبلوماسية الخارجية. ما هي الاستراتيجيات التي يجب اتباعها؟ وكيف تختلف هذه الاستراتيجيات عن تلك التي اتبعتها إدارة بوش؟ وما هي التكلفة المادية والمعنوية لهذه الجهود؟ على سبيل المثال، فنحن قاب قوسين أو أدنى من الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية التي يرجح فيها فوز بنيامين نتانياهو زعيم حزب "الليكود" المعارض، بمنصب رئيس الوزراء. ويعرف عن نتانياهو قوة شكيمته وعدم ميله للتفاوض مع الأطراف الفلسطينية المنقسمة على نفسها. ومن المرجح أن يحن السيناتور جورج ميتشل إلى مروج أيرلندا البديعة الخضراء، وهو يبذل المساعي المضنية من أجل التوصل إلى توفيق ما، بين نتانياهو وحركة "حماس"، تحت هجير شمس الشرق الأوسط الحارقة. ثم هناك إيران، فهل تصلح نبرة أوباما الدبلوماسية وحدها، وحديثه عن الاحترام المتبادل مع العالم الإسلامي، لإثناء طهران عن مواصلة برانامجها النووي؟ ثم ماذا تفعل إدارة أوباما مع كوريا الشمالية التي لا تكف عن التفاوض ووقفه مع الولايات المتحدة حول برامج أسلحتها النووية؟ وفوق هذا كله، لا تسير الحرب الأفغانية على ما يرام. أما في باكستان، فتتعاون عناصر تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان" على زعزعة نظام الحكم المهزوز أصلاً في العاصمة إسلام آباد، مع ملاحظة أن الحركتان تمكنتا من إعادة رص صفوفهما وتعزيز شوكتها هناك. إلى جانب ذلك، فليس في مقدور الولايات المتحدة تجاهل دول ومناطق أخرى من العالم، رغم أنها لا تشكل مصلحة استراتيجية حيوية لواشنطن. فمشكلتا زيمبابوي وإقليم دارفور السوداني، يبقيان عاراً على العالم المتحضر كله. ثم هناك مشكلات الفقر المتفشي بين معظم دول القارة السمراء، مضافاً إليها وباء الإيدز. فكل هذه قضايا وواجبات، لن يجدي فيها اختلاف نبرة الدبلوماسية الأميركية وحده. --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"