كنت أستمع قبل بضعة أيام إلى مجموعة من مديري شركات السيارات الأميركية، وهم يشتكون إلى رئيس الولايات المتحدة الأميركية عن القوانين التي تسعى إلى الحد من انبعاث الغازات، بالإضافة إلى كل الأعباء الأخرى التي تثقل كاهلهم مثل الأجور المرتفعة للعمال ومعايير السلامة التي تفرضها الحكومة، فضلاً عن المنافسة الأجنبية غير العادلة. وأثناء محادثتهم تلك كانوا يقولون للرئيس إن هذا الوضع يخنق صناعتهم "نحن في مأزق لم نرَ مثله من قبل"، وعلق آخر قائلاً: "إن اليابانيين الصغار قادمون للانقضاض علينا"، لكن عبارة "اليابانيين الصغار" بدت قديمة بعض الشيء ولم تعد دارجة هذه الأيام فتحققت من التسجيل الذي كنت أستمع لأكتشف أنه يعود إلى أبريل من العام 1971، أما الرجل الذي كان يتحدث إلى الرئيس فهو "لي إيكوكا"، مدير شركة فورد للسيارات ضاغطاً على ريتشارد نيكسون الرئيس الأميركي وقتها، الذي يبدو أنه أيضاً لم يكن بمنأى عن العبارات العنصرية التي وردت بحق اليابانيين، لكنه مع ذلك كان حصيفاً بما يكفي لتسجيل المحادثة التي دارت بينه وبين مديري شركات السيارات الرئيسية في أميركا لتستفيد منها الأجيال القادمة. واللافت في صناعة السيارات أن تذمرها ما زال مستمراً إلى غاية اللحظة رغم كل التقدم التكنولوجي الذي تحقق، ورغم التغيرات الكبيرة التي طرأت على المشهد الأميركي. لكن الرئيس أوباما كان واضحاً خلال هذا الأسبوع عندما عبر عن رغبته في قلب تلك الشكاوى على أصحابها، وقطع الطريق عليهم في واشنطن، من خلال فسحه الطريق أمام ولاية كاليفورنيا لفرض معايير صارمة على السيارات والشاحنات الخفيفة، غير آبه بالمعارضة الشديدة التي أبدتها شركات السيارات. فقد طلب أوباما من وكالة حماية البيئة الفيدرالية النظر في التخلي عن سلطتها الحصرية لفرض معايير الهواء النظيف حتى تتمكن كاليفورنيا من تطبيق معاييرها الخاصة التي سبق لمجلس الولاية التصديق عليها عام 2005، وفيما أوقفت الإدارة السابقة طلب الولاية، يبدو أن الوكالة الفيدرالية ستقوم بالتصديق في ظل الإدارة الجديدة على طلبها وتسمح لها بفرض معاييرها الخاصة فيما يتعلق بانبعاث الغازات الملوثة. وبالطبع ليس من الصعب توقع التقدم الكبير الذي ستعرفه سياسات الاحتباس الحراري في الولايات المتحدة بمنح كاليفورنيا استثناءً فيدرالياً يخولها التصرف بحرية في حماية البيئة، فالولاية تريد بموجب معاييرها الجديدة تقليص انبعاثات عوادم السيارات من ثاني أكسيد الكربون وباقي الغازات المسبية للاحتباس الحراري إلى 40% بدءاً من هذه السنة وإلى غاية 2020، وهو ما يشكل قفزة نوعية يحتذي بها المدافعون عن البيئة في أميركا وفرصة لتجاوز السياسات السابقة. وما أن تحصل كاليفورنيا على استثنائها من القوانين الفيدرالية الأقل صرامة حتى تنتشر قواعدها الخاصة بشأن انبعاث الغازات إلى باقي الولايات، وهو ما يجعلها في النهاية عرضة لمساعي التقويض من قبل شركات السيارات التي تعارض بشدة مثل هذا التوجه، حيث قامت تلك الشركات برفع دعاوى قضائية على كاليفورنيا و"فرمونت" ورود آيلند ونيوميكسيكو لمنع حصولهم على استثناء فيدرالي. وتبني شركات السيارات شكواها الأساسية على أن المعايير الخاصة التي تسعى كاليفورنيا إلى إقرارها من شأنها في حال انتقالها إلى باقي الولايات أن تقر مجموعة من القوانين ستجعل من الصعب، أو على الأقل مكلف جداً، عملية الامتثال لجميع تلك المعايير، لكن ذلك لا يعني في الحقيقة سوى عدم استعداد صناعة السيارات الالتزام بمعايير كاليفورنيا وتهربها من أي ضغوط في هذا الاتجاه، إذا لا يوجد ما يمنعهم من النهوض بالتحدي والارتقاء بجهودهم إلى مرحلة يتمكنون فيها من الإيفاء بالمعايير الخاصة. لكن شركات السيارات كانت دائماً تشعر بأنه من الأفضل محاربة القوانين الجديدة على التأقلم معها والتقيد ببنودها من خلال تحسين قدراتها الهندسية، ولو نحن أردنا عد الأموال التي أنفقتها صناعة السيارات على المحامين في محاولاتهم إلغاء الشريعات الحكومية وإبطال مفعولها لما وجدنا آلة حاسبة تستطيع إبراز كل الأرقام على شاشتها. وتبقى القاعدة الذهبية التي تتبعها الشركات في تعاملها مع الحكومة، والجهات المسؤولة في الولايات هي تلك المحادثة التي دارت مع الرئيس نيكسون في 27 أبريل 1971، حيث اشتكى مديرو الشركات الرئيسية في أميركا من المتطلبات الحكومية وقتها مثل تركيب مساند الكتفين والأكياس الهوائية في السيارات الجديدة بدعوى أنها سترفع أسعار السيارات إلى مستويات كبيرة. وفي كل مرة كانت شركات السيارات تعتقد أن المعايير الجديدة ستقودها إلى الإفلاس كانت تظهر تقنيات غير مسبوقة تساعد مصنعي السيارات على تجاوز العقبات والحفاظ على المستوى نفسه من المبيعات، فبينما كان التخوف على أشده في صفوف المصنعين من أن يؤدي إدخال وسائل السلامة مثل الأكياس الهوائية إلى السيارات، أصبحت هذه الأخيرة مطلباً ملحاً للمستهلك وصناعة قائمة بذاتها. وكانت هفوتهم الكبرى اعتقاد الشركات الأميركية أن مسألة استهلاك الوقود لا تهم كثيراً السائق الأميركي فاسحين المجال للسيارات اليابانية التي اهتمت بتقليل تكاليف الوقود فسيطرت على السوق، وتكاد اليوم تدفع الشركات الأميركية خارج حلبة المنافسة. ومن بين الأسباب التي تسوقها صناعة السيارات وتتذرع بها للوقوف في وجه المعايير التي تسعى كاليفورنيا إلى تطبيقها، هي أنها أكثر صرامة من تلك التي أقرتها وكالة حماية البيئة الفيدرالية، والحال أن التقليل من انبعاث الغازات الملوثة من عادمات السيارات قد يكون فرصة للشركات نفسها للتشجيع على شراء السيارات؛ لأن العلاقة واضحة بين السيارات غير الملوثة وتلك التي تستهلك أقل. فهل تتوقف شركات السيارات عن الشكوى وتركز على تطوير منتجاتها لمواءمة متطلبات السوق؟ بالنظر إلى ردود الأفعال الأخيرة على مبادرة أوباما منح الاستثناء لكاليفورنيا ومطالبة صناعة السيارات بتوحيد المعايير في إحالة إلى فرض القوانين الفيدرالية الأقل صرامة على الولايات، يبدو أنها ما زالت على مواقفها القديمة وأنها تتهيأ لممارسة المزيد من الضعط على الإدارة الجديدة للحفاظ على مكتسباتها. --------- مايكل هيلتزيك محلل سياسي أميركي ---------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"