الموارد البشرية والتنمية في الخليج العربي، كان شعار مؤتمر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية لهذا العام، والذي عقد في العاصمة أبوظبي بحضور نخبة من الخبراء الإماراتيين والعرب والعالميين. وقد يتساءل البعض عن السر في اختيار هذا الشعار لمؤتمر هذا العام، ويأتي الجواب عبر الجلسة الأولى والتي تحدثت حول الهوية والمواطنة. نعم، فنحن في دول الخليج في وضع لا نحسد عليه من حيث الهوية، ويزداد الخلل كلما قل عدد السكان المواطنين في مقابل الوافدين علينا وعلى هويتنا وانتمائنا العربي الإسلامي. لا أحد ينكر الدور الذي تلعبه العمالة الوافدة في بناء المجتمع من الناحية المادية، وفي المقابل لن ينكر أحد علينا الاهتمام بهوية هذا المجتمع التي باتت تهددها الهويات الوافدة، وبالذات مع وجود من يدعون إلى توطين هذا الوافد ومنحه الإقامة الدائمة لأنه أصبح يمتلك شقة هنا أو متجراً هناك، وبعد الإقامة الدائمة التي يطالب بها البعض ربما ننتقل خطوة أخرى وهي منحهم الجنسية، وهنا تتم محاولة محو هذا المجتمع واقتلاع هويته. نعم هذا هو التحدي الأكبر فيما يرتبط بالموارد البشرية في دول الخليج العربي إن كنا حريصين على بقائه عربياً. التحدي الثاني في تصوري، يكمن في المنافسة غير المتكافئة بين الخليجيين وغيرهم على الفرص المتاحة للعمل في دول الخليج. لم يكن متوقعاً أن دولة خليجية مثل الإمارات العربية المتحدة سيعاني المواطنون فيها من بطالة فعلية وليست خيالية. في فترة انعقاد المؤتمر، كان بجواره في العاصمة أبوظبي معرضاً للوظائف يهدف إلى مساعدة الباحثين عن عمل للتواصل مع أرباب العمل الجادين في توظيفهم بجمعهم في بقعة واحدة. وكم تضايقت وأنا استمع إلى هموم الشاب الإماراتي الذي بح صوته وهو ينادي عبر "استديو واحد" من إذاعة أبوظبي مستنجداً بمن يسمع وهو يهتف: لقد تخرجت منذ أكثر من سنة ولم أجد عملاً، وآخر يبحث عن فرصة وله أكثر من ثلاث سنوات... وهكذا تتعالى الأصوات، بينما يقول قائل: نحن لا نستطيع أن نوطن كل الوظائف في الدولة، لكننا لن نعجز عن تأمين فرصة عمل للمواطنين، هذه هي النظرية الواقعية لسوق العمل في الدولة في المستوى القريب، لن نوطن كل الوظائف، لكن هل هناك أولويات للمواطن الباحث عن عمل وبالذات في القطاع الخاص؟ الإنسان غير الواقعي يقول: الفرص متاحة للجميع وعلى الإماراتي المنافسة الشريفة مع غيره، لكن من دخل سوق العمل الخاص يعلم أن المنافسة ليست شريفة في هذا القطاع، وهنا تكمن أهمية وجود قانون ملزم لهذه الشركات والتي تعد بالآلاف في أن توطن بعض القطاعات فيها ولا أقول بنسبة معينة؛ لأن النسبة الإحصائية مضللة وبالإمكان التحايل عليها، لكن تسمية الوظائف التي لا بد أن يقوم بها المواطن تمثل بعداً اقتصادياً للوطن وفي الوقت نفسه بعداً أمنياً يحفظ لهذه الدولة أمنها وسلامة أرضها من كل متربص أثيم بنا. والمحور الثالث الذي لا بد من التطرق إليه في هذا الصدد هو اعتماد الكفاءة في التعيين، فكما أننا بحاجة إلى قانون يمكن المواطن من الحصول على وظيفة مناسبة له، فنحن بحاجة إلى قانون يجرم سلب صاحب الكفاءة حقه في التعيين؛ لأن غيره لديه واسطة أفضل منه، لو تساوى الاثنان في الكفاءة ولعبت التزكية دورها لكان في هذا كلام، لكن أن يكون بين الاثنين بعد المشرقين في مستوى الكفاءة ويعين أحدهما لمعرفة من أبيه أو أخيه فهنا يكون الظلم، وتتحطم العدالة الاجتماعية وينشأ في المجتمع صراع لا نريده؛ لأنه يهدد جميع المجتمعات، فغير الكفء لو تعين لضيع الأمانة، وهنا تقوم الساعة. وقد أحسن سمو وزير الداخلية عندما أعلن في افتتاحة للمؤتمر أن التنمية لا يمكن أن تتحقق ما لم تتوافر الموارد البشرية المدربة والمبدعة التي تستوعب التقنية وتضع الاستراتيجيات وتحافظ على استقرار الوطن.