"لا اعتراف بحركة حماس إلا إذا اعترفت بإسرائيل وتوقفت عن ممارسة الإرهاب". هذا هو موقف الإدارة الأميركية الجديدة. ليس ثمة جديد فيه. فهو موقف ثابت في السياسة الأميركية تجاه الفلسطينيين. سبق أن أعلن في وجه القائد الفلسطيني التاريخي الرمز ياسر عرفات. وماذا حصل عندما اعترف بإسرائيل؟ صحيح أن الإدارات الأميركية تعاملت معه ولكن التعامل كان دائماً على أساس أن الأولوية المطلقة هي لإسرائيل وشروطها و"حقها" في الدفاع عن نفسها وتأمين متطلبات حماية أمنها! عرفات كان داهية، عرف كيف يتعامل مع كل الظروف المحيطة به والمؤثرة على قضيته، وبالتالي على قراره. أقلق الأميركيين والإسرائيليين معاً حتى بعد توقيع اتفاق أوسلو. عاد إلى الأرض المحتلة ومعه الآلاف من المقاتلين. أرسى قواعد سلطة. حرص على الاهتمام بأدق التفاصيل في الشكل والمضمون، التي تضع السلطة على طريق إقامة الدولة المستقلة. خاض صراعات وحروباً ووفر شرعية دولية سياسية ودبلوماسية وإعلامية رسمية للنضال ضد الاحتلال، ولم يسلّم في النهاية للشروط الإسرائيلية. وبمعزل عن الخلافات السياسية، استفادت كل الفصائل السياسية الفلسطينية من حركة أبو عمّار النضالية، ومن دوره ومفاوضاته وثبات موقفه. المسألة هي مسألة إدارة سياسية أيضاً لتكريس الحق والدفاع عنه، لا يكفي أن تكون محقاً، المهم أن تعرف كيف تدافع عن حقك. كيف تربح معركة الدفاع عنه. فقد تكون غير محق في بعض جوانب تحريك أمر قضيتك – أي قضية – لكن إذا كان المحامي شاطراً وبارعاً فإنه قد يربح المعركة. لماذا أقول ذلك؟ موقف الإدارة الأميركية الجديدة من القضية الفلسطينية اليوم هو موقف الإدارات السابقة. فالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قبل بإسرائيل، وهي لم تقبل به. ولو قبل الفلسطينيون بما يطلب منهم، فإن إسرائيل وأميركا لن تقبلا. فهل يعني ذلك ذهاب الفلسطينيين في موقفهم إلى المدى الأبعد دون تقدير للظروف المحيطة؟ مرة جديدة أقول: الموقف الدولي لم يتغير. فهو يحمّل الفصائل الفلسطينية المسؤولية عما جرى. ويؤكد حق إسرائيل في الحصول على ضمانات في كل الترتيبات الأمنية المقترحة. والمعابر لا تزال مقفلة. والحصار مستمر. وإسرائيل على استعداداتها للقيام بعمليات عسكرية نوعية ضد رموز وقادة فلسطينيين وأهداف مهمة مستغلة استمرار إطلاق الصواريخ من غزة عليها. الانقسام الفلسطيني يتعمق، وأزمة الثقة كبيرة. وكارثة لجوء من غزة إلى بعض أحيائها تذكر بكارثة اللجوء عام 48 من فلسطين إلى بعض الدول العربية المجاورة. نعم ثمة لاجئون من بعض غزة إلى بعضها الآخر وقد تطول فترة لجوئهم المؤقت إذا استمر الخلاف على عملية إعادة الإعمار. "حماس" تريد إدارة إعادة الإعمار تحت عنوان أنها السلطة. ولكنها تواجه صعوبات، بسبب الموقف الدولي منها لا سيما موقف الدول المؤثرة والضاغطة في اتجاه محاربة "الإرهاب"، والإصرار على تجفيف موارده و"حماس" تعتبر في نظر هذه الدول حركة إرهابية، وبسبب انعكاس مواقف الحركة على قرارات ومواقف بعض الدول المساعدة عربية كانت أم غير عربية. والسلطة تعلن الاستعداد لإطلاق مشروع إعادة الإعمار بقيمة 600 مليون دولار، لكن "حماس" تعتبر السلطة غير موجودة. وتعززت المشكلات بعد إعلان "حماس" التصميم على إيجاد بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية، فأعلن رئيس السلطة الفلسطينية أبومازن: (أن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ولا حوار مع "حماس" قبل تراجعها عن هذه السياسة). أبومازن يقول ذلك من القاهرة، ومشعل يعلن من طهران أنه قدم تقريراً لـ"ولي أمر المسلمين" عن وقائع حرب غزة وانتصار الفلسطينيين، وخامنئي يدعو قيادة الحركة إلى الاستعداد لحرب جديدة. ووزراء التضامن العربي يجتمعون في أبوظبي بعد اجتماعات مصغرة في القاهرة. والعنوان: رفض إسقاط منظمة التحرير، التأكيد على المبادرة المصرية ودور السلطة الوطنية والمصالحة الفلسطينية. إذاً هذا المشهد ليس في صالح الشعب الفلسطيني، ولن يكون في صالح "حماس" أيضاً سياسياً والمستفيد من ذلك هو إسرائيل. التي، وبمعزل عن انتخاباتها ونتائجها المرتقبة والتي يرجّح فوز نتانياهو فيها، وربما يعتقد البعض أن تطرف هذا الرجل الخطير قد يبرّر التشدد من الجهة الأخرى، بمعزل عن ذلك فإن إسرائيل ستستفيد من الواقع القائم وثبات الموقف الدولي المؤيد لها ومن الانقسام الفلسطيني. "الأونروا" اتهمت إسرائيل. اليوم، هذه المنظمة الدولية متهمة من قبل حركة "حماس" وهذا خطأ حتى ولو كان تصرف "الأونروا" لا يرضي "حماس". يجب الانتباه إلى هذه النقطة. فإسرائيل تريد في الأساس إسقاط "الأونروا" لضرب العنصر الأهم في الحق الفلسطيني ألا وهو العودة. ثمة مشروع قديم جديد مستمر لإسرائيل وبعض الدوائر الأميركية لإلغاء "الأونروا". وبالتالي لإسقاط المرجعية والشرعية عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الموثقة أسماءهم لدى هذه المنظمة الدولية. والأمم المتحدة تتهم إسرائيل بقصف مؤسساتها ومدارسها ثم تتراجع! ومحاكم إسبانية تتحدث عن إدانة إسرائيل بارتكاب جرائم حرب جماعية ضد الأبرياء الفلسطينيين، فيعلن مسؤولون إسبان أنهم سيغيرون قوانينهم. نعم سوف يغيرون القوانين، فقط لحماية إسرائيل. حتى لو حكمت المحكمة، فإن شيئاً لن يطال إسرائيل لأنهم سوف يغيرون القانون! هذه أمثلة عن اتجاهات الرياح الدولية والإقليمية التي لا تصب في خانة مصلحة الفلسطينيين وقضيتهم. فماذا يفعلون؟ المطلوب مراجعة من قبل الجميع لكل المواقف التي أعلنت في الأيام الأخيرة تكون خلاصتها التأكيد على توحّد القوى الفلسطينية حول برنامج عمل يجسد الحد الأدنى من التفاهم بينها، إذ لن يكون حل يتجاوز السلطة الفلسطينية. وبالتالي لا يجوز إهدار الفرص واستمرار الصراع والاتهامات والتخوين والتشكيك والتصفيات على الأرض وزرع الأحقاد في نفوس الفلسطينيين ضد بعضهم البعض. لقد راهن كثيرون على موقف تركيا، ولا شك أنه كان موقفاً مميزاً. وسعى إلى مساعدة الفلسطينيين. ولا شك أيضاً في أن موقف رئيس الحكومة التركية في وجه شيمون بيريز في دافوس كان موقفاً شجاعاً لاقى صدىً كبيراً في العالمين العربي والإسلامي واحتراماً في العالم أجمع عموماً، لكن الحقيقة أيضاً عبّر عنها الرئيس التركي عبدالله غول ومن المملكة العربية السعودية عندما أشار إلى تنبيه وجهّه إلى حركة "حماس" بعدم الاستمرار في السياسات الخاطئة. ثم قال: "لو نفذ اتفاق مكة الذي رعاه خادم الحرمين الشريفين، لما كان هذا حالكم"... موجهاً كلامه إلى الإخوة الفلسطينيين. ويضاف إلى كل ذلك تأكيد كل المسؤولين الأتراك على العلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل. نرى من أسقط الاتفاق؟ بالطبع ليس خادم الحرمين الشريفين، لكن السبب يكمن في سلوك بعض الإخوة الفلسطينيين في سياق رهاناتهم على هذا الطرف أو ذاك إقليمياً، وهذا ربما يخرج أو بالأحرى خرج بالحلول اليوم عن المصالح الفلسطينية والعربية؟