كما اتسع نطاق انتشار ظاهرة الإرهاب على نحو ملحوظ خلال الأعوام الأخيرة، فقد بدأت الكتب التي تتناوله في تزايد ملحوظ أيضاً، وأحدها كتاب "الإرهاب الدولي" لمؤلفته هبة الله أحمد خميس، والذي نعرضه بإيجاز فيما يلي. وكما يتضح للقارئ، فالمهمة الأساسية للكتاب هي تقديم توضيح ضروري مفاده أن الإرهاب الذي يضرب في أنحاء مختلفة من عالم اليوم، ليس ظاهرة جديدة أو طارئة على التاريخ، بل يضرب بجذوره في أقدم أزمنة الإنسان. كما أنه ليس وليد الفراغ أو نتاجاً لروح شيطانية تتلبس أشخاصاً بعينهم، بل هو إفراز للواقع العام، بما فيه من معاناة ونقائص وتحديات. من هنا تبحث المؤلفة في الأصول الفكرية للإرهاب ونشأته منذ قتل قابيل أخاه هابيل، مروراً بصوره في مجتمعات ما قبل التاريخ، ثم عند الإغريق والرومان وفي مصر القديمة وبابل وبلاد فارس، ونماذجه في الفكر السياسي اليهودي (حركة الورعاء اليهود في القرن الأول الميلادي)، وصولاً إلى إرهاب الثورة الفرنسية، ثم حروب القرن العشرين. وحسب المؤلفة، فإن التصنيف التاريخي للإرهاب يشتمل على "إرهاب قديم"، وهو ذلك الذي شاع لدى الأمم القديمة وجسده الاستبداد والطغيان وتأليه الحاكم، ثم "إرهاب حديث" شاعت ممارسته في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، ويشمل الحركات الفوضوية والعدمية والفاشية وحروب الاستعمار. وأخيراً الإرهاب المعاصر، وهو الذي يسود عصرنا الحالي ويشمل معظم الحركات الإرهابية الحالية، وتعود بدايته إلى ثلاثينيات القرن العشرين، وهو خليط من حركات اليسار والاتجاهات النازية العنصرية والصهيونية والتطرف الديني. تحاول المؤلفة استقصاء الجذور الفكرية للإرهاب أو "الإرهاب عبر عصور الفلسفة"، ومن فلاسفة الإرهاب في العصر القديم "السوفسطائيون"، كونهم نموذجاً للإرهاب الفكري والنفعي معاً، كما مثل أرسطو، بنظريته عن الطغيان والثورة، نموذجاً للإرهاب الفردي. أما في العصر الوسيط حيث سادت عصابات الإرهاب وقوانينه ومحاكم التفتيش والغزوات الصليبية، فكان القديسان أوغسطين وتوما الأكويني أهم فلاسفة الفكر الإرهابي. وفي عصر النهضة كان ميكافيلي وجان بودان أبرز فيلسوفين للإرهاب، إذ كانا أول من فصل السياسة عن الأخلاق، ودعَوَا إلى استخدام القوة والحيلة وكافة الذرائع للاحتفاظ بالسلطة أو الوصول إليها. أما في العصر الحديث فتقول المؤلفة إن فلاسفة مثل هوبز، ومونتسكيو، وبيرك، وسبينوزا، وماركس... كانوا يتصفون بتطرف فكري واضح، وقد وضعوا بذور الإرهاب الفكري السائد حالياً. وأخيراً نأتي إلى الحقبة المعاصرة لنجد نيتشه كنموذج حقيقي للإرهاب الفكري، فهو بأفكاره المتطرفة والمتشددة يعد أحد مصادر الإرهاب الفكري، إذ يدعو إلى العنف والقتل والاستعلاء العرقي، تعبيراً عن استعلاء الأنا الغربي. لكن لا يفوت المؤلفة أن تميز بين الإرهاب الفكري والفكر الإرهابي، فالأول يتسم بعدم المنهجية والتسرع والانفعال والتبسيط، وهو يستهدف التشهير والدعاية، ولا يؤدي إلى تغيير حقيقي. أما الفكر الإرهابي فيقوم على التخطيط والدقة والعمل المرحلي المنظم والدؤوب، ومثاله إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين العربية. لكن ماذا عن الحركات الأصولية الإسلامية وموقف الإسلام من الإرهاب؟ تتوقف المؤلفة باستفاضة عند الاتهامات الغربية للإسلام بأنه دين عنف وإرهاب أو بأنه يضفي الشرعية على أحداث إرهابية، لتوضح أن الإسلام الذي عرف تطرف الخوارج هو نفسه الإسلام الذي أنتج عقلانية المعتزلة، وأن من يقرنون الإسلام بما يسمى الإرهاب لا يتفحصون الأسباب التي تنتج اجتهاداً إسلامياً متسامحاً، ولاهوتياً منغلقاً حيناً آخر. فالإسلام أكد حق محاربة الشر ومواجهة الظلم، كما أن مبادئ وقيم اللاعنف هي الأقرب إلى روح الدين الحنيف. فقد أقر الإسلام مبادئ القتال بضوابط لإقامة سلام على قواعد سياسية واجتماعية وأخلاقية، أما العنف فليس نتاجاً سماوياً بل هو نبت أرضي مكتسب. وإذا كان الإرهاب يرتكب لدوافع مختلفة، سياسية واقتصادية واجتماعية وإعلامية، فإن الإسلام وضع منهجاً وقائياً وعلاجياً لهذه الدوافع، وذلك من خلال الشورى والعدل والمساواة والحرية والمسؤولية والبيعة الاختيارية. وهنا تتطرق المؤلفة إلى مفهوم الإرهاب في القرآن والسنة، وكونه بمثابة تخويف لردع العدو عن العدوان على المسلمين. أما الحرب فلها صورتان: حرب الدفاع عن النفس (الجهاد) وحرب الإغاثة. وعليه فالشريعة الإسلامية تقف ضد الإرهاب بكل صوره وأشكاله. وتعرج المؤلفة إلى "التيارات الفكرية المتطرفة التي كانت سبباً في نسبة تهمة الإرهاب إلى الإسلام"، وعلى رأسها الفرق القديمة، مثل الخوارج وبعض الغلاة من الشيعة والباطنية. لكنها تلح مرة أخرى على "فلسفة الإرهاب الحديث في النظم الغربية"، وما آل إليه الحال من دمار وخراب ورعب للعالم، في ظل التطور الذي أحرزته الصناعات العسكرية، النووية والبيولوجية والكيماوية، مما يوضح الفرق الهائل بين إرهاب الأمس وإرهاب اليوم. وهنا تتخذ المؤلفة من الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها إسرائيل دليلاً على أن الإرهاب غربي المنشأ وليس له علاقة لا بالعرب ولا بالإسلام، فتشير إلى ما قامت به أميركا من تدمير لأفغانستان والعراق بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، تحت شعار مكافحة الإرهاب، وكذلك ما تقترفه إسرائيل من وحشية في فلسطين، بدعم من الدول الغربية التي تعتبر الممارسات الإسرائيلية دفاعاً عن النفس! ورغم التباينات الجوهرية في مفهوم الإرهاب ودلالته بين جهة وأخرى، فإن المؤلفة تتناول استراتيجية التعاون الدولي لمواجهة الإرهاب وإرساء السلم العالمي، مؤكدة أن فكرة السلام فكرة قديمة حمل لواءها فلاسفة مثل الفارابي وكانط وراسل، وهي اليوم ضرورة عالمية يزداد إلحاح الحاجة إليها في ظل الشبح النووي المخيم على العالم. محمد ولد المنى --------- الكتاب: الإرهاب الدولي المؤلفة: هبة الله أحمد خميس الناشر: الدار الجامعية تاريخ النشر: 2009