تتوقع استطلاعات الرأي الإسرائيلية فوز بنيامين نتانياهو، زعيم حزب "الليكود" اليميني، في انتخابات 10 فبراير القادمة، وبالطبع من المبالغة القول إن انتخاب نتايناهو سيكون ضربة قاسية لعملية السلام، لأن هذه الأخيرة لم يكتب لها النجاح أبداً منذ انطلاقها مع "اتفاق أوسلو" في عام 1993. فقد ولد الاتفاق ميتاً منذ البداية بسبب استمرار الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية وابتلاعها للأراضي الفلسطينية، وغياب اهتمام حقيقي من قبل قادة إسرائيل بمصير الفلسطينيين، وانتفاء الرغبة في التعامل معهم على قدر المساواة والاعتراف بحقهم في العيش بحرية داخل دولتهم المستقلة. ومنذ توقيع "اتفاق أوسلو" فقد الفلسطينيون المزيد من الأراضي لصالح المستوطنين الإسرائيليين وتراجع مستوى معيشتهم، كما ظلوا طيلة الفترة السابقة تحت رحمة الحصار الإسرائيلي الخانق وبدأت وعود التحرر والاستقلال في التبخر والتلاشي. ولا ننسى أن نتانياهو الذي كان رئيساً للوزراء بين 1996 و1999 لعب دوراً أساسياً في نسف عملية أوسلو وعرقلة إمكانية التوصل إلى اتفاق مع الفلسيطينيين، وقد نقلت في هذا الإطار صحيفة "جيروزاليم بوست" عن مبعوث بيل كلينتون إلى الشرق الأوسط، دينس روس، قوله إن "نتانياهو بسياسته القائمة على الخطاب المتشدد دون إنجاز شيء في الميدان ضيعت العديد من الفرص"، وأضاف روس أن مسؤولي إدارة الرئيس كلينتون المنخرطين في عملية السلام "شعروا باليأس بعد فوز نتانياهو في عام 1996". وإذا لم يكن هذا كافياً لضمان تجدد الصراع وإعاقة التوصل إلى سلام عادل لننظر إلى موقف أفيجدور ليبرمان، زعيم الحزب اليميني المتطرف "إسرائيل بيتنا" وأحد الساسة المرشحين للمشاركة في حكومة ائتلافية مع نتانياهو بعدما تصاعدت أسهمه في استطلاعات الرأي الإسرائيلية خلال الآونة الأخيرة. فقد برز ليبرمان، المهاجر اليهودي من مولدوفا، على الساحة السياسية بخطابه المعادي للعرب، حيث سبق أن دعا في عام 2003 إلى إغراق المعتقلين الفلسطينيين لدى إسرائيل في البحر الأحمر، مقترحاً تأمين الباصات التي ستنقلهم إلى هناك من عنده. وعندما عين في عام 2006 وزيراً مكلفاً بالأخطار الاستراتيجية، كتبت "هآرتس" في افتتاحيتها معلقة "إن اختيار أكثر الرجال انفلاتاً وانعداماً للمسؤولية لتولي هذه المهمة يشكل في حد ذاته خطراً استراتيجياً ماحقاً". وللاحتجاج على التفاوض مع الفلسطينيين سحب ليبرمان حزبه من الائتلاف الحاكم، بل لقد وصل به الأمر إلى اقتراح إقصاء الأحزاب العربية الإسرائيلية من المشاركة في الانتخابات، متهماً قادتها بعدم الولاء لإسرائيل، ومتوعداً ممثليها في الكنيست بقوله: "إننا سنتعامل معكم كما تعاملنا مع حماس". وقد دفعت هذه الشعبية المتنامية للتيار اليميني في إسرائيل وخطابه المتشدد حزبي "كاديما" و"العمل" بزعامة ليفني وباراك إلى المزايدة على نتانياهو بإطلاق تصريحات غير مسؤولة، حيث أعلنت ليفني عقب اجتماعها مع اللجنة الأمنية داخل حزبها أنهم حددوا الإطاحة بحركة "حماس" هدفاً رئيسياً لهم على المدى البعيد. وفي الإطار نفسه وافق إيهود باراك، زعيم حزب "العمل"، قبل أسبوع واحد من بدء الانتخابات على إقامة وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، وهو القرار الذي حدا بصحيفة "هآرتس" إلى التعليق قائلة: "إن إقامة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية تشكل انتهاكاً صارخاً لشروط خريطة الطريق، ولالتزامات أرييل شارون تجاه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش". وانتقاماً من حزب "كاديما" الذي انشق عن "الليكود" تعهد نتانياهو بعدم إشراك ليفني في حكومة ائتلافية إذا ما فاز في الانتخابات المقبلة، معلناً عن نيته في إشراك حزب "العمل"، وحزب "إسرائيل بيتنا" المتطرف، بالإضافة إلى حزب المتدينين من اليهود الشرقيين "شاس"، وهو ما سيفرز- إن تحقق- إحدى أكثر الحكومات الإسرائيلية تشدداً تجاه الفلسطينيين والعرب منذ قيام إسرائيل في عام 1948. ولكن مع ذلك يبقى المفتاح الحقيقي لأي سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في أيدي واشنطن، وهناك فعلًا بعض المؤشرات القادمة من البيت الأبيض التي توحي بأن الإدارة الجديدة ربما تكون عازمة على تغيير نهجها واعتماد أسلوب أكثر استقلالية في مقاربة الصراع في الشرق الأوسط بالمقارنة مع السياسات السابقة لإدارة بوش التي انحازت في مجملها لإسرائيل. ومن بين تلك المؤشرات ما أعلنه الرئيس أوباما نفسه من أنه ينوي مواصلة جهود إحلال السلام في الشرق الأوسط منذ اليوم الأول، مفترقاً بذلك عن مقاربة بوش الذي أهمل الصراع طيلة فترته الرئاسية وانتظر إلى غاية السنة الأخيرة من رئاسته كي يدعو إلى مؤتمر أنابوليس وليستأنف بعده دعمه المعهود والمتواصل للطرف الإسرائيلي. ثم هناك اختيار أوباما لجورج ميتشل مبعوثاً جديداً للمنطقة، والذي سبق له أن ترأس لجنة لتقصي الحقائق عندما اندلعت الانتفاضة الثانية فجاء تقريره لعام 2001 واضحاً في ربط استمرار الاستيطان بالعنف الفلسطيني. وقتها رفض ميتشل السياسات الإسرائيلية والعنف الفلسطيني وطالب بتجميد الأنشطة الاستيطانية وبرفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، وكان "تقرير ميتشل" الأساس الذي بُنيت عليه خريطة الطريق التي أيدتها الأمم المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى أميركا. وأخيراً يتأكد لنا اختلاف الإدارة الجديدة عن سابقتها من خلال تصريح أدلت به مؤخراً سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة، "سوزان رايس"، عندما أشارت في جلسة مغلقة لمجلس الأمن إلى "المعاناة المأساوية للمدنيين الفلسطينيين"، وهي اللغة المتعاطفة التي كانت غائبة عن مقاربة إدارة بوش للصراع في الشرق الأوسط.