تجمع الأحزاب الإسرائيلية الثلاثة الكبرى: "الليكود" و"كاديما" و"العمل"، رسمياً وعلنياً، على "لاءات" إسرائيلية تقليدية، تتمثل في عدم الاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، وعدم الانسحاب من القدس الشرقية، أو الانكماش إلى حدود الرابع من يونيو 1967. ولا يبدو أن هذه الأحزاب، المرشح أحدها -نظرياً- للوصول إلى الحكم بعد الانتخابات العامة في 10 فبراير الجاري، في وارد التوصل لاتفاق سلام حقيقي مع الفلسطينيين. فـ"الليكود"، المرشح الأكبر للفوز بالانتخابات وتشكيل الحكومة، يعتبر -دائماً وأبداً- أن الظروف "الحالية" لا تسمح بالتوصل إلى تسوية ويتحدث عن "حل اقتصادي". ولا يطرح "كاديما" ولا "العمل" أفقاً سياسياً محدداً، وإنما يتحدثان عن إجراء مفاوضات مع جهة فلسطينية ومحاربة الجهة الأخرى. إذن، لا يوجد "برنامج سياسي" في حيازة هذه الأحزاب وإنما برنامج "أمني -سياسي"، الأمر الذي يدل على عمق الجانب الأمني واستحواذه على العقل السياسي الإسرائيلي. المفاجأة، جاءت من حزب "إسرائيل بيتنا" ورئيسه ايفغدور ليبرمان، كما أوضح آخر استطلاع أجرته "هآرتس"، حيث نجح هذا الحزب اليميني المتطرف الداعي علانية إلى استخدام القوة ضد الفلسطينيين، في تجاوز حزب "العمل" التاريخي بـ15 مقعداً مقابل 14 فقط. وقد بين الاستطلاع أن كتلة اليمين ستزيد قوتها إلى 65 مقعداً، بينما ستتقلص كتلة اليسار إلى 53 مقعداً. وفي معظم الاستطلاعات المنشورة، سواء منذ بداية الحملة الانتخابية للكنيست الـ18 أو قبلها أيضاً، تتضح حقيقة أن كتلة اليمين تتفوق على كتلة اليسار -الوسط، ولاسيما من جهة الحزبين اليمينيين جداً، "الاتحاد الوطني" و"البيت اليهودي" اللذين سيحصلان معاً على سبعة مقاعد، فيما سيتمكن حزب "شاس" من حصد عشرة مقاعد. إذن "الانقلاب" قادم وإنجازه سيكون على أيدي اليمين الإسرائيلي الرافض للتسويات الإقليمية والمتمسك بأسطورة "إسرائيل الكبرى" الداعي إلى ضم الضفة الغربية التي ظلت في صميم أيديولوجيته طوال عشرات السنين. وهذا اليمين نفسه هو المندد دوماً بالانسحاب من قطاع غزة في عام 2005، والمستبعد لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة. وبالنسبة لليكود يكفي إلقاء نظرة على المنضمين الجدد إليه كي ندرك حقيقة الموقف: بيني بيجين ابن مناحم بيجين، ويائير شامير ابن إسحاق شامير، ورئيس الأركان السابق موشيه يعلون (صاحب نظرية "كي وعي الفلسطينيين") وعضو الكنيست آفي ايتام من حزب "الاتحاد الوطني" وأحد أبرز دعاة التطهير العرقي للفلسطينيين، والوزير السابق ناتان شارانسكي القادر على كسب أصوات 750 ألف مستوطن يهودي لا يريدون مغادرة الضفة وهضبة الجولان، لذلك فهو يمثل طموحاتهم. ويقول بيني بيجن الذي يعتبر من الشخصيات الأكثر شعبية في الليكود إن "جميع التنازلات التي قدمتها إسرائيل حتى الآن لم تجدِ نفعاً، وذلك لأنه ليس هناك شريك للسلام في الجانب العربي. ولهذا فإنني أعارض إنشاء أي دولة فلسطينية". من غير المتوقع أن يعلن نتنياهو، المرشح الأقوى لتشكيل الحكومة، وفاة "عملية السلام"، فرغم محاولات دفع نتنياهو ليصبح على يمين ليبرمان، إلا أن الأول، كما يقول الكاتب المخضرم ناحوم بارنيع في مقال حديث: "لا يريد ولا يستطيع أن يكون في هذه المواقع لا قبل الانتخابات بسبب المترددين، ولا بعدها بسبب الأميركيين. فمع خطاب كهذا متحمس في دعوته للحرب ستوصد أبواب البيت الأبيض في وجهه". ورغم أن وزيرة الخارجية تسيبي ليفني رئيسة كديما "جندت" الرئيس الأميركي باراك أوباما في حملتها الانتخابية واعتبرت أن فوز الليكود سيؤدي إلى صدام مع الإدارة الأميركية الجديدة، فإنها، في النهاية، على استعداد للمشاركة في حكومة "وحدة وطنية" وليست ائتلافية، الأمر الذي ينطبق على زعيم "العمل" وزير "الدفاع" إيهود باراك. ويرى المحلل يوسي هالفر أن "نتنياهو سوف يسعى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية مع كاديما والعمل. وإذا لم يتمكن من ذلك فإنه سيتعين عليه التحالف مع أحزاب دينية ويمينية متطرفة، ويصبح بالتالي رهينة لها.. مما يثير مخاطر وقوع خلافات مع الإدارة الأميركية الجديدة التي يبدو أنها لن تكون على استعداد لمنح إسرائيل التأييد غير المشروط الذي كانت تحظى به في عهد بوش". وبحسب نتنياهو فإن "الليكود مستعد لتقديم تنازلات (!!!) مقابل السلام"، بل سيجري الحزب "مفاوضات" سياسية (بقصد "المفاوضات" فقط) خصوصاً مع الفلسطينيين، إن حافظت قوة الدفع الأميركي الجديدة على زخمها. فإسرائيل عندما تكون في خضم عملية مفاوضات، لا تتعرض لضغوط دولية، خصوصاً من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية. وبالإمكان المراهنة على أن إسرائيل، بأي حكومة مقبلة، ستجري "مفاوضات" مع الفلسطينيين بل ومع سوريا أيضاً، لمنع ممارسة ضغوط عليها من جانب الإدارة الأميركية في عهد الرئيس أوباما. وفي مقال كاشف، يقول يوئيل ماركوس في هآرتس: "نتنياهو... مما رأيناه، يمكنه -كعادته- ألا يقول شيئاً ملزماً يورطه. غير مرة تحدث عن الحاجة إلى تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين كوصفة للتسوية". ويضيف: "لكن نتنياهو يدرك أنه مع ليبرمان وشاس المؤيدين له، يصبح انتصار كتلة اليمين وصفة مؤكدة للمواجهة مع إدارة أوباما". لذا، يقول آري شبيط في مقال عنوانه "كاديما خان شارون"، إن نتنياهو سيصبح رئيساً للوزراء، إذ "بعد ثلاث سنوات من حكم الوسط -يسار سيتم تنصيب حكم الوسط -يمين في إسرائيل. السيناريو غير المتوقع هو حكومة ليكود -شاس -إسرائيل بيتنا. والتوقع الأكثر منطقية هو حكومة ليكود -عمل -كاديما". ويضيف: "وهكذا فانتصار الليكود المتوقع في الانتخابات، ليس نابعاً من تحول الناخب الإسرائيلي فجأة إلى بني بيجن. السبب الحقيقي هو خيبة أمل إسرائيليين كثيرين من الوسط. خيبة أمل من قيادة الوسط وحزب الوسط وسخافة الوسط... خيبة أمل من عدم قيام الوسط بتحويل نهجه إلى نهج شامل يتمخض عن سياسة واضحة... حزب كاديما، خلال سنوات حكمه الثلاث، لم يفعل شيئاً لتغيير الوضع القائم الخطير في (يهودا والسامرة). وخلال العامين الأخيرين أجرى الحزب مع الفلسطينيين مفاوضات فشلت حول التسوية الدائمة". ويختم: "النتيجة السياسية التي ترتبت على هذا المزيج المتفجر كانت فشلاً متعدد الأبعاد". وختاماً، فإن انتخاب نتنياهو لا يعني بالضرورة نهاية عملية السلام، وكما استنتج بارنيع: "الأمر الذي لا يمتلكه الناخب الإسرائيلي هو الثقة بوجود معنى لتصويته. فهو قد انتخب بيجن في عام 1977 على افتراض أنه لن ينسحب من متر واحد... فأخلى كل سيناء. وانتخبه في عام 1981 على افتراض أنه سيجلب السلام فأدخلهم في حرب فاشلة. انتخب رابين عام 1992 على افتراض أنه سيكافح الإرهاب بصورة أفضل... فجلب أوسلو. وانتخب باراك في عام 1999 لجلب السلام... فأعطاه الانتفاضة. وانتخب شارون عام 2003 على افتراض أنه سيجلب الأمن والسلام فجلب فك الارتباط"!