استطاع روبرت موغابي في العام 1980 تحرير زيمبابوي التي كانت توصف بأنها "جوهرة أفريقيا" من حكم البيض، وبعد 29 عاماً قضاها على الكرسي منفرداً، تقوم بلاده نتيجة لنسبة التضخم التي "تجاوزت كافة المقاييس التي يعرفها علماء الاقتصاد"، حيث بلغت 231 مليوناً%، بشطب 12 صفراً من عملة البلاد، ليصبح التريليون دولارا زيمبابويا، بتوقيع واحد من رئيس المصرف المركزي، مجرد دولار واحد، فلا يعود الزيمبابوي بحاجة إلى حمل ورقة بقيمة 50 مليار دولار ليخرج من البقالة حاملاً رغيفي خبز. وموغابي ليس إلا نسخة أكثر رداءة من زعماء وقادة العالم الثالثيين، لا زال بعضهم قابضاً على السلطة، وبعضهم اقتاده ملك الموت إلى المحكمة الإلهية العليا. ويصعب على أدق التلسكوبات ملاحظة الفروقات العشرة بين موغابي وإخوانه من الحكام الفاشلين، لأنه ليست هناك فروقات أصلاً، اللهم إلا فوارق اللون واللغة والدين. ومثلما استطاع مناضلو العالم الثالث إسقاط العروش الملكية والرجعية، ثم أصبحوا رؤساء أكثر ملكية ورجعية ممن سبقوهم، خاض موغابي معركة النضال ضد قوى الاستعمار إلى أن أنهى مع رفاقه حكم البيض. وبدى أن زيمبابوي مقبلة على أزهى عصورها، فموغابي قادم من أشرف المهن على الإطلاق، فقد كان معلماً، كما كان غيره رجل دين، أو ضابطاً في الجيش. ومثلهم أيضاً، قلب الكرسي موازينه، وأصبح ديكتاتوراً، أو قائداً للأبد، أو مرشداً أعلى، لا يؤمن إلا بنظام الحزب الواحد، أو حزب الرسالة الخالد. ومثلهم بدأ في التهام رفاق السلاح أيام الكفاح ضد الاستعمار، أو قوى الطغيان والرجعية. ومثلهم دخل في حروب أهلية طاحنة أو عبثية مع الجيران. وتسبب حكمه في تمزيق النسيج الاجتماعي للبلاد، كما مزّق غيره الناس إلى مؤمن وغير مؤمن، بعثي وغير بعثي. وبدأ أعوانه في الاستيلاء على المزارع، خصوصاً مزارع البيض، التي كانت تحرك الصادرات وتستوعب العمال وعائلاتهم، كما استولى أشباهه على أراضي من كانوا يسمونهم الإقطاعيين، وكانت النتيجة أنهم بدؤوا يستوردون المواد الغذائية التي كانوا يصدّرونها أيام الرجعية والتخلف. وهو مثلهم "منّاع للخير" ويعرقل عمل منظمات المساعدات الدولية لنجدة شعبه، فنحو 7 ملايين زيمبابويّ يعتمدون على المساعدات الغذائية، وهي مساعدات لا تهتم بتوفير مقبلات المائدة، كالمخللات والشوربة، وإنما "للبقاء على قيد الحياة". واستطاع موغابي، مثلهم أيضاً، رفع نسبة البطالة إلى 80%، ويتسبب عناده في التمسك بالسلطة إلى انهيار النظام الصحي، حتى أصبح وباء الكوليرا "خارج السيطرة"، وأودى حتى الآن بـ 3095 شخصاً، والمصابون به بلغوا 59 ألفاً، وترجح منظمة الصحة العالمية أن نصف عدد السكان البالغين 13 مليوناً، سيصابون بالمرض. ويشبه موغابي رفاقه في أنه ينفي أي مسؤولية له في هذا الوضع المخزي، فكل ما في الأمر أن هناك مؤامرة خارجية بقيادة الاستعمار الغربي، أو الشيطان الأكبر، ومؤامرة داخلية تحمل لواءها المعارضة الزيمبابوية، أو المنافقون. والغريب أن موغابي يشبههم أيضاً في جَلده أمام الميكرفون، فهو شعبوي مثلهم يستطيع الوقوف لساعات للإدلاء بالكلام الفارغ. ومثلهم أيضاً، لا يسمح للانتخابات إلا لتثبيت حكمه، أو الفوز بنسبة 99%، وأحياناً 100%. وإذا ما سمح بانتخابات نزيهة فإنه يلاحق الفائز ويروّع أتباعه ويقتلهم، كما فعل مع زعيم المعارضة مورغان تسفانجيراي. ومثلهم تماماً، موغابي يرفض نداءات تنحيه عن السلطة، ويرد بأعلى صوته: زيمبابوي ملكي. ويجد موغابي، كما يجد أشباهه، قادة إقليميين يساندونه، ودولاً تقف في صفه وتدعو لـ"الحوار"، ودائماً فتّش عن الصين.