لا جدال في أنّ الأزمة الماليّة العالميّة، قد ألقت بتأثيراتها السلبيّة على جميع دول العالم في ظلّ العولمة، وحريّة التّجارة، وتزايد مستويات التّرابط والتّداخل بين الاقتصادات المختلفة. وكان من البديهيّ أن يكون اقتصادنا الوطنيّ من الاقتصادات التي تأثرت، بشكل أو بآخر، بهذه الأزمة التي لم تستثنِ أياً من اقتصادات الدول، خاصّة الاقتصادات القويّة المنفتحة على العالم، المندمجة في المسار العامّ للعولمة الاقتصاديّة. ومع الاتّفاق على أنّ النّتائج السلبيّة للأزمة الماليّة ذات صبغة عالميّة، فإنّ هذا يجب ألا يخفي حقيقتين مهمّتين: الأولى هي أنّ التأثير السلبيّ لهذه الأزمة متفاوت من دولة إلى أخرى، وليس على المستوى نفسه في كلّ الدّول، وهذا يرتبط بعوامل مختلفة يأتي في مقدّمتها مدى رشاد السياسة الاقتصاديّة الّتي تتّبعها هذه الدّولة أو تلك. الحقيقة الثانية هي أنّ طريقة التعامل مع مخاطر الأزمة الماليّة العالميّة تحدّد قدرة أيّ اقتصاد على تجاوز آثارها، والمدى الزمنيّ الذي يحتاج إليه لتحقيق هذا الغرض، إضافة إلى حجم الخسائر التي يتعرّض لها خلال فترة المعاناة من تبعات هذه الأزمة. من هذا المنطلق، فإنّ الاقتصاد الوطنيّ الإماراتيّ تأثر بالأزمة، وقد أقرّت الجهات الرسميّة غير مرّة بوجود التأثير، ولم تنفِه، أو تتجاهل أعراضه الاقتصاديّة العابرة، إلا أنّ الوجه الآخر للحقيقة هو أنّ هذا التأثير لم يستطِع أن يوقف نموّ الاقتصاد الوطنيّ، أو يعرقل تقدّمه إلى الأمام، وإنْ أبطأ هذا النموّ قليلاً، كما أنّ أسلوب الإمارات في معالجة آثار الأزمة، يكشف عن قدرة كبيرة على التّعامل مع هذا النّوع من الأزمات وإدارتها، مهما كانت خطورتها أو تداعياتها، ولعلّ التقارير الدوليّة العديدة التي صدرت، مؤخراً، وتحدّثت عن الاقتصاد الإماراتيّ ومستقبله، في ضوء الأزمة المالية، تؤكّد هذا المعنى بوضوح، ومن أهمّ هذه التقارير تقرير "صندوق النّقد الدوليّ" المعدّل حول آفاق الاقتصاد الإقليميّ لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي صدر مؤخّراً، حيث توقع الصّندوق في هذا التقرير أن ينمو اقتصاد الإمارات بمعدل 3.3% في العام الجاري (2009). فيما توقع تقرير صدر، مؤخراً، عن مؤسسة "ميرل لينش" الأميركيّة أن تصل نسبة النموّ إلى 3.5%. وعلى الرّغم من أنّ هذه التوقعات تنطوي على معدّلات نموّ منخفضة عن الأعوام السّابقة، فإنّها تعكس مؤشراً إيجابياً إلى قدرة الاقتصاد على النمو الإيجابيّ، مقارنة باقتصادات دول لها ثقلها الاقتصاديّ على المستويين الإقليميّ والدوليّ تراجعت معدّلات النمو فيها بشكل كبير، ودول أخرى لا يتوقع تحقيقها أيّ نمو خلال المدى المنظور. فضلاً عن ذلك، فإنّ تقديرات لعدد من المؤسّسات الاقتصاديّة الدوليّة المهمّة ذات الصدقيّة، تشير إلى بعض التوقعات التي تؤكّد أنّ اقتصاد الإمارات ماضٍ بقوّة نحو تجاوز آثار الأزمة الماليّة، ومن أهمّ هذه التوقعات أنّ مستوى التّضخم سوف ينخفض في الإمارات بشكل كبير خلال العام الجاري والعام المقبل، مقارنة بالأعوام السّابقة، وأنّ الاقتصاد الإماراتيّ سوف يتمكّن من تجاوز تبعات الأزمة الماليّة العالميّة عام 2010، وأنّ السيولة سوف تعود إلى الانتعاش مرّة أخرى العام المقبل. واستبعدت هذه المؤسّسات أن تتعرّض الإمارات إلى أزمة سيولة، لأنها تمتلك الأدوات والآليّات التي تمنع حدوث مثل هذه الأزمة. كلّ ما سبق يؤكّد أمراً أساسياً هو أنّ الاقتصاد الإماراتيّ اقتصاد قويّ، ويحظى بثقة الهيئات الدوليّة المتخصّصة، وأنّ الأزمة الماليّة العالميّة، وإن كانت قد أثرت فيه، مثلما أثرت في كلّ اقتصادات العالم، فإنّها لم تستطِع أن تنال من قدرته على النموّ والتطوّر، خاصّة أنّه يمتلك أدوات فاعلة في مواجهتها، سواء تعلّق الأمر بالموارد أو القرارات الرشيدة. ــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.