يعتقد بعض العرب -وهماً- أن أصول الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما الأفريقية، أو اسم والده العربي أو الإسلامي سيؤثر كثيراً على مسارات السياسة الخارجية الأميركية، تماماً كما استبشرت خيراً صحفٌ إسرائيلية بقولها: "أخيراً.. رئيس شرقي"! وتماماً كما أبدى بعض المتحمسين العرب رأياً مفاده أن الأوضاع في العراق و"هزائم" بوش فيه هي التي أوصلت أوباما إلى سدة الرئاسة في أقوى بلاد العالم، أي أننا نحن (العرب) هم الذين أوصلوا الرئيس الجديد إلى المكتب البيضاوي! كما اعتقد بعض الكتاب الغربيين أن أوباما سيضمن عودة الولايات المتحدة لدور (الوسيط المحايد) فيما يتعلق بالنزاع العربي/ الإسرائيلي. وقد تباينت المواقف الإسرائيلية تجاه نوايا "أوباما" بخصوص دعم إسرائيل أو المواجهة مع إيران. حيث اعتبرت وزيرة الخارجية الإسرائيلية "تسيبي ليفني" رغبة أوباما في الحوار مع إيران على أنها "علامة ضعف"! وكان "أوباما" قد أعلن -خلال حملته الانتخابية- إنهاء اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط في غضون عشرة أعوام، وفتح حوار مع إيران، وخفض القوات الأميركية المرابطة في العراق. وإذا ما درسنا هذه التوجهات واعتبرناها من أجندة الرئيس الأميركي الجديد، فإن تغيرات جذرية ستحدث في السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، بل وحلفاء الولايات المتحدة من منتجي النفط في الخليج، ولكن مع هذا لن ندخل في "التشويق" السياسي، فعالم السياسة لا يتم فيه الوفاء بكل الإعلانات والتعهدات التي تقال وتطرح في الحملات الانتخابية. والأرجح أن أصل أوباما أو لونه لن يؤثر سلباً في سياسات الولايات المتحدة ومصالحها العليا. ذلك أن السياسات العامة لهذا البلد لا تتأثر بوجود رئيس أشقر أو رئيس أسود، أو هذا الحزب أو ذاك! لأن الولايات المتحدة دولة مؤسسات وليست من "جمهوريات الموز" التي تتأثر برحيل رئيس أو الانقلاب عليه. والحقيقة أن صناديق الاقتراع هي التي جاءت بأوباما إلى المكتب البيضاوي، وهي الفيصل في الانتخابات الأميركية التي تختلف جوهرياً عن الانتخابات العربية التي تتدخل فيها الأيادي من هنا وهناك. كما أن نزوع الأميركان -على كافة الأصعدة- نحو التجديد أمر مهم في تركيبة العقلية الأميركية، وهي التي أهلت أوباما للفوز بالرئاسة؛ خصوصاً بعد أزمات عديدة واجهها الرئيس بوش خلال ثماني سنوات لم تكن "سماناً"، حيث تم استنزاف ميزانية الولايات المتحدة في العراق (700 مليار دولار) إضافة إلى موت حوالي 4000 جندي أميركي فجعت بهم أسرهم، ناهيك عن الفشل في أفغانستان، وعدم نجاح الولايات المتحدة في وضع قطار السلام في الشرق الأوسط على مساره الصحيح! بالإضافة إلى حالة التوتر والتوجس مع إيران. ويتم هذا النزيف في الوقت الذي تأثرت فيه الأحوال المعيشية للمواطن الأميركي -قبل وبعد الأزمة الاقتصادية الحالية- ووصلت نسبة البطالة إلى أكثر من 6.5%، مع وجود موجة كساد عارمة في الولايات المتحدة. فالمواطن الأميركي سئم نشر أذرع الولايات المتحدة الطويلة إلى أقصى بقاع العالم في حروب وقواعد لا يستفيد منها. ولعل النموذج الذي "بشّرت" به إدارة بوش لم يتحقق في العراق، بل ولم تتحقق وعود هذه الإدارة بتحويل بلدان الشرق الأوسط إلى "جنة عدن" ديمقراطية بعد العراق! ناهيك عن ازدياد "كراهية" الشعوب المضطهدة -خصوصاً دول العالم الثالث وأميركا اللاتينية- للولايات المتحدة وسياساتها الاستعراضية، التي لم تحقق خلالها إلا المزيد من "التفريخات" للعناصر الإرهابية التي طالت الولايات المتحدة ذاتها، وبعدها العراق والأراضي الفلسطينية وغيرهما. كما أن الشارع الأميركي يهتم بأمور حياته المعيشية اليومية ولا يريد أن تذهب الضرائب التي يدفعها إلى حروب خاسرة أو تأييد لهذا البلد أو ذاك أو تدمير البلد الآخر. كما أن اعتماد "المحافظين الجدد" على العضلات العسكرية وتهديدات الدول بالعين "الحمراء" واستلهام الإدارة الأميركية لدور "شرطي العالم"، كل ذلك لا يحظى بأي اهتمام لدى الناخب الأميركي. وإذن فالإخفاقات المتكررة للإدارة الحالية، واستنزاف خزينة الولايات المتحدة -في أمور لا يستفيد منها المواطن العادي- تعد أحد أهم أسباب جنوح الناخبين للتغيير. ولذا فعلى العرب ألا يعولوا كثيراً على لون الرئيس الأميركي الجديد وسحنته الأفريقية. فهذا الرئيس محوط بعتاة من واضعي السياسة الخارجية، التي لن تخرج على الخطوط العريضة للدستور الأميركي، أو أجندة الخارجية الأميركية؛ بعيداً عما يفسره بعض الكتاب العرب من أقوال أوباما نحو رعايته للمظلومين، أو الانبهار بخطاباته، مثل قوله: "إن قصصنا مختلفة.. ولكن مصيرنا مشترك"! إن الرئيس الأميركي الجديد وإن تحدث عن عدالة عالمية وخاطب ما وراء البحار وشعوب العالم الثالث، فإنه لن يحمل "وزر" ضحايا العنف والعنف المضاد في العراق وأفغانستان والأراضي الفلسطينية ولبنان وسوريا والصومال والسودان! ولن يكون عاطفياً في قراراته كونه "ضرب" على وتر الإنسانية في لحظة "تجلٍّ" انتخابية! بل إن هذا الرئيس سيواصل سياسة الولايات المتحدة "البراغماتية" التي تحقق مصالحها العليا -حتى لو اضطر إلى اتباع أسلافه من الرؤساء (الثلاثة والأربعين) الذين لم يكونوا "ملائكة" في عالم من الشياطين. أما الذين يعتقدون أن الرئيس الأميركي الجديد سيتناول (الحمص والمنسف) مع الشعب الفلسطيني، أو يحضر صلاة في حسينية بالبصرة أو في معبد بوذي في بانكوك، أو سيحضر حفلات "زار" في تنزانيا، أو سيسبح مع البؤساء في نهر "الجانج" في الهند، فهم حتماً واهمون! فأمام الرجل مهام لابد وأن يكملها، وهذه "سنة" الرئاسة الأميركية، إذ لا يمكن أن تتخلف أية إدارة عن تكملة مهام الإدارة التي سبقتها. فالذين يعتقدون أن أوباما سيسحب جنوده من العراق بين عشية وضحاها لاشك أنهم لا يقرؤون عالم السياسة، والذين يعتقدون أنه سوف "يقرص" أذن إسرائيل أو "يبصق" في وجه المسؤولين الإسرائيليين -غير المتعاونين مع مسيرة السلام في الشرق الأوسط- لا يدركون مدى عمق العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب؛ والتعهد الدولي والأميركي بحماية أمن إسرائيل إلى الأبد. كما أن الذين يعتقدون أن الجيوش والأساطيل الأميركية المتواجدة في كل زاوية من زوايا العالم ستعود إلى أماكنها في الولايات المتحدة، وبالتالي يتم إغلاق مصانع الأسلحة الفتاكة وتسريح عمالها، وتتجه الجهود نحو الاختراعات السلمية التي تخدم الإنسانية، ويتم دعم حركات التحرر ومناهضة التمييز العنصري ولجم الحكومات الديكتاتورية -التي تحتفظ بعلاقات حميمة مع الولايات المتحدة- كل هؤلاء يسبحون في بحور الخيال، ويمنون الذات بسراب يحسبه الظمآن ماء! كما أن الذين يعتقدون أن للرئيس الأميركي الجديد عصاً سحرية ستحقق المعجزات، و" تاكل" كل منغصات العالم، هم غير واقعيين فقط، بل واقعون تحت تأثير الصدمة أو الفرحة الانتخابية لدخول رجل شرقي الملامح، أسود اللون إلى البيت الأبيض! نعم، الرئيس الأميركي الجديد شرقي الملامح أسود اللون ذو أصول أفريقية، لكنه يظل "أصلياً" ويحق له دخول البيت الأبيض! ويظل أميركي الثقافة والسياسة والرؤية للأمور. ولا يجوز بأي حال من الأحوال التعويل على أشكال الرؤساء والاعتقاد بأن من يأتي عبر ديمقراطية حقيقية يمكن أن يركن إلى عشيرته" أو لون جلده أو شكل شعره. إنه العالم الديمقراطي ودولة المؤسسات التي تهفو إليها قلوب قاطني العالم الثالث المريض. ولا نتجاوز الحقيقة إن قلنا إن الديمقراطية تفعل المعجزات لا العصا السحرية التي تتخيلها الشعوب المسكينة تهوي فوق ظهورها كل صباح.