لغز الاقتصاد الصيني... وما وراء تذمر العمال البريطانيين فك لغز الاقتصاد الصيني، وانتهاك أخلاقيات الحرب في غزة، والدور النسائي في إدارة الاقتصاد العالمي، ثم مغزى إضرابات العمال البريطانيين... موضوعات نستعرضها ضمن جولة سريعة في الصحافة البريطانية. لغز الاقتصاد الصيني: في افتتاحيتها لعدد الأمس، تناولت صحيفة "الجارديان" تحليل الدور الاقتصادي للصين في مواجهة الأزمة المالية العالمية الحالية، وما أثارته الجولة الأوروبية لرئيس الوزراء الصيني، التي زار خلالها لندن. فإذا كانت العمليات الاقتصادية الجارية الآن في عدد من الدول الأوروبية، بكل هذا القدر من الخطر في ظل الأزمة الراهنة، فإنه لم يعرف بعد مدى الخطر الذي تواجهه اقتصادات الدول الأخرى، وبخاصة الاقتصاد الصيني بكل ما له من أهمية في التصدي للأزمة الحالية. وذكرت الافتتاحية أن الاقتصاد الصيني بحد ذاته تثور الخلافات حوله. فهناك الافتراض العام القائل باتباع الصين لنمط الخصخصة المخططة والموجهة مركزياً، وهو النمط الذي حقق نجاحاً كبيراً على الصعيدين الداخلي والعالمي. ولكن هناك أيضاً الافتراض القائل بأن النمو الحقيقي للصين قد بدأ في عقد الثمانينيات، مع نهوض الاستثمارات الصغيرة وازدهارها في الريف أولاً، إلا إن السياسات الحكومية تدخلت لاحقاً لتعيق ذلك النمو، بتفضيل الاستثمارات الريفية الكبيرة، سواء كانت هذه الاستثمارات خاصة أم حكومية. ثم هناك الفرضية الثالثة القائلة بوجود نمطين اقتصاديين في الصين -مثلما هو الحال في اليابان- أحدهما على قدر من النجاح والفعالية، بحكم اعتماده على النشاط التصديري، والآخر محلي تقليدي ضعيف. ومضت الافتتاحية إلى القول إن لهذا الحوار الدائر عن طبيعة وخصائص نمط الاقتصاد الرأسمالي الصيني أهمية كبرى اليوم، لأنه يساعد على تحديد السياسات الواجب اتباعها في وقت يعلم الجميع أنه ليس ممكناً للسياسات الاقتصادية القائمة أن تستمر على ما هي عليه، سواء كانت هذه السياسات معنية بالاقتصاد الصيني أم العالمي. والعائق الرئيسي أمام إحداث التغيير في السياسات الاقتصادية الصينية يعود في رأي البعض إلى مقاومة الاستثمارات الريفية للسياسات المركزية التي تفرضها الدولة، بينما يرد البعض الآخر هذه العوائق إلى سياسات السلطة المركزية التي لا تكف عن التدخل والتحكم بحرية النمو الاقتصادي في الريف. متى كان الاستخفاف بأرواح المدنيين؟: هذا هو الموضوع الذي تناوله الكاتب روبرت فيسك في مقاله التحليلي عن ضحايا العدوان على غزة، المنشور في عدد السبت الماضي بصحيفة "ذي إندبندنت". قال "فيسك" قال إن وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفيني هي من صرح بإن العالم سمح لبلادها بالمضي في حملتها العسكرية على القطاع كيفما شاءت! وفي هذا التصريح بحد ذاته ما يثير سؤالاً كبيراً حول دور المجتمع الدولي ومؤسساته في كبح جماح الحروب وعنفها، خاصة إذا ما كانت تستهدف حياة المدنيين وتعرضهم للخطر. ويكتمل الجانب الآخر من التصريح بملاحظة أن العالم وكأنه فقد الشعور بأهمية التقيد بالقيم الأخلاقية والضمير الإنساني الذي يحكم الحروب والنزاعات المسلحة. وهذا ما يشير إليه رفض هيئة "بي. بي. سي" بث إعلان خاص بالمساعدات الإنسانية لسكان القطاع. فإذا كانت "بي. بي. سي"، قد رفضت بث الإعلان المذكور بحجة المحافظة على حيدتها واستقلاليتها، فإن هذه الاستقلالية هي التي تثور حولها الشكوك والتساؤلات الآن. فكأن "بي. بي. سي"، تقدم حماية نفسها بصفتها مؤسسة إعلامية، وتعطي تلك الحماية أهمية أكبر مما تعطيه لحياة الأطفال الفلسطينيين من ضحايا الحرب. ثم مضى الكاتب في بقية مقاله مطيلاً البحث عن جذور هذا الاستخفاف بحياة المدنيين أثناء النزاعات، محاولاً تحديد تاريخ "تطبيع" العنف والحروب في التاريخ العالمي المعاصر. الدور الاقتصادي للنساء: في العدد الأخير لصحيفة "ذي أوبزيرفر" نقف سريعاً على مقال "روث سندرلاند" متناولة فيه أهمية الدور الذي يجب أن تلعبه النساء في وضع السياسات الاقتصادية العالمية وتوجييها. وقالت الكاتبة إن الفكرة الرئيسية لقمة منتدى دافوس الاقتصادي العالمي لهذا العام هي "إعادة تشكيل عالم ما بعد الأزمة الاقتصادية". وفي اعتقاد المؤتمرين الضمني إمكانية تحقيق هذا الهدف، في غياب مشاركة النصف الآخر من المجتمع البشري عالمياً، يعبر عن كثير من التعالي والعجرفة والاستخفاف بدور النساء. وقالت الكاتبة إن الفوضى الاقتصادية العالمية الماثلة الآن هي من صنع الذكور، وإن التجربة العملية لقيادتهم لدفة الاقتصاد العالمي تثبت عدم قدرتهم على إعادة بناء ما دمروه بسياساتهم وقراراتهم الكارثية. وتساءلت الكاتبة: هل في مقدور النساء أن يعدن ترتيب هذه الفوضى بما تحقق لهن من تأهيل وقدرات قيادية؟ تجيب الكاتبة بالإيجاب عن هذا السؤال، إلا إنها تلاحظ أن كافة الفضائيات والقنوات الإعلامية، لا تستضيف سوى المتحدثين الذكور الذين يتناولون تحليل الأزمة وكيفية الخروج منها، وكأن كوكب الأرض لا يسكنه سوى الذكور؟ توظيف البريطانيين وليس حمايتهم: هذا هو موضوع افتتاحية "ذي أوبزرفور"، ليوم الأحد الماضي، والتي استهلتها بالقول: (حين وعد رئيس الوزراء جوردون براون بتوفير الوظائف البريطانية للبريطانيين أثناء حملته الانتخابية، فهو لم يقصد إغلاق أسواق العمل في وجه العاملين الوافدين من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. ولكن ما الذي يعنيه بهذا القول؟). في الإجابة عن السؤال لاحظت الصحيفة إضراب عمال مصفاة "ليندسي" النفطية بلينكونشير يوم الجمعة الماضي، احتجاجاً على تعيين ما يزيد على 300 من العمال الإيطاليين والبرتغال في مشروع جديد تابع للمصفاة. وأعلن مئات العمال الآخرون على امتداد بريطانيا كلها الإضراب تضامناً معهم، رافعين جميعاً شعارات تحمل عبارة براون: الوظائف البريطانية للبريطانيين. كما تقول الافتتاحية: ليس ثمة جديد في تعيين العمال الأجانب في شتى المجالات والمؤسسات، كما ليس غريباً احتجاج البريطانيين وتذمرهم من منافسة الأجانب لهم في سوق التوظيف. ولكن المثير للقلق هذه المرة هو هذه المطالبة الشعبية بحماية الوظائف البريطانية من المنافسة الخارجية في سوق العمل. وبما أن العولمة والتعدد والانفتاح هي السمات الرئيسية للحياة البريطانية في كل شيء منذ عدة عقود، فإن المطلوب الآن هو توفير المزيد من الوظائف للبريطانيين وليس إصدار تشريعات أو سياسات لحمايتهم في أسواق العمل. إعداد: عبدالجبار عبدالله