يعتبر صيد الأسماك، ومنذ زمن بعيد، من الأعمدة الرئيسية التي ينهض عليها اقتصاد أيسلندا، حيث يعتمد عليه سكان هذه الجزيرة النائية المطلة على الأجزاء المتجمدة الواقعة في شمال المحيط الأطلسي في بقائهم. وقد خاضت الجزيرة ثلاث حروب غير دموية ضد بريطانيا في خمسينيات القرن الماضي وسبعينياته لتأكيد سيطرتها التامة على حدودها الوطنية. وحالياً يخشى صيادو السمك في الجزيرة من أن تؤدي الأزمة المالية والاقتصادية الحالية، والتي امتدت آثارها إلى جزيرتهم، إلى عودة الكابوس الذين ظلوا يخشونه طويلا وهو انضمام الجزيرة للاتحاد الأوروبي، ما سيعني تسليم مقاليد إدارة مياهها الإقليمية إلى أجهزة بيروقراطية لا تدري شيئا عن الجزيرة. يوضح "سجردر سفيريسون" المسؤول في "اتحاد ملاك سفن الصيد الأيسلندية" هذه النقطة بقوله: "لقد ظلت صناعة صيد الأسماك الأيسلندية في حالة ازدهار خلال السنوات الماضية، علماً بأننا لا نتلقى دعماً مثل الصناعات المماثلة في دول الاتحاد الأوروبي... وإذا ما انضممنا إلى الاتحاد فلن نستطيع المحافظة على سياساتنا الخاصة بصيد الأسماك". ويشار إلى أن حكام أيسلندا قد قاوموا طويلا مسألة الانضمام للاتحاد الأوروبي في محاولة منهم لحماية هذه الصناعة الحيوية التي يعتمد عليها اقتصادهم، إلى أن تغير كل شيء هذا العام بعد سقوط حكومة يمين الوسط يوم الاثنين الماضي على وقع الاحتجاجات الداخلية العنيفة. ويتوقع أن يتولى الديمقراطيون الاشتراكيون الذين يؤيدون الانضمام للاتحاد الأوروبي، قيادة الحكومة المؤقتة، وقد أعلنوا رغبتهم في تنظيم استفتاء عام على مسألة الانضمام للاتحاد الأوروبي يعقد بالتزامن مع انتخابات مايو المقبل، والتي تشير استطلاعات الرأي إلى أن ثلثي الأيسلنديين سيصوتون فيها بالموافقة على الانضمام للاتحاد الأوروبي. بالنسبة لأيسلندا، يعتبر الهدف الحقيقي من عضوية الاتحاد الأوروبي هو تبني اليورو كعملة رئيسية تحل محل عملتها الحالية الـ "كرونا" التي يرى كثيرون أنها تلوثت بدرجة لا يجدي معها أي علاج بعد انهيار النظام المصرفي في الجزيرة. فقبل الأزمة المالية الحالية كان الـ"كرونا" هو أقل العملات الحرة في العالم تداولا حيث لم يكن مدعوماً سوى بواسطة اقتصاد قوامه300 ألف شخص، وعندما تعثرت بنوكها بعد انهيار "ليمان برذرز"، تبين أن الاقتصاد الأيسلندي صغير إلى حد أنه لم يكن قادراً على إنقاذ مؤسساته. لا حاجة لإعادة التأكيد على مدى أهمية الأسماك بالنسبة لسكان أيسلندا، فتلك الأهمية هي التي دفعت أسلافهم من جنس "النورس" في العصور الوسطى لاحتلال هذه الجزيرة المليئة بالأنهار الجليدية. وبعد استقلالها عن الدانمرك عام 1944، قام زعماء الجزيرة بمد حدودها بما يتراوح بين ثلاثة وأربعة أميال على الساحل، ثم امتدت بعد ذلك إلى 12 ميلا، وظلت تتمدد تدريجياً حتى وصلت 200 ميل في نهاية المطاف. وقد أدى ذلك إلى حدوث احتكاكات مع بريطانيا التي أصبحت ترسل مدمرات لمصاحبة سفن صيدها إلى المياه التي تمددت فيها أيسلندا، وذلك لحماية تلك السفن من التحرشات التي كانت تتعرض لها من قبل زوارق الدورية الأيسلندية صغيرة الحجم وسريعة الحركة، والتي كانت تزود في معظم الأحيان بأدوات حادة لتمزيق شباك صيد الأسطول البريطاني. وقد استطاع الأيسلنديون من خلال مواجهات ضد الأسطول البريطاني فرض الأمر الواقع لتمتد حدودهم المائية إلى مسافة 200 ميل داخل البحر وهو ما سيضمن توفير موارد غنية لأيسلندا قد تجعلها واحدة من الدول الغنية في العالم. ومن الطريف أن العملة الأيسلندية لا تحمل صور زعماء البلاد وقادتها التاريخيين، بل تحمل أنواع الأسماك المختلفة التي تشتهر بها الجزيرة. يعلق وزير المصايد السمكية "إينار جدفينسون" على ذلك بقوله: "لقد كافحنا من أجل الحصول على حقوقنا في صيد الأسماك، والمخضرمين منا يتذكرون تلك الأيام، وينظرون إلى ما يحدث حالياً على أنه استكمال لذلك الكفاح وأيضاً لكفاحنا من أجل الاستقلال". ويضيف جدفينسون: "إذا لم ننجح في صناعتنا السمكية فذلك سيكون له تأثير مباشر على تنميتنا، وعلى مستوى معيشة سكاننا". ويشار إلى أن أيسلندا نجحت في إدارة سياستها الخاصة بصيد الأسماك بشكل مستقل رغم تناقضها مع السياسة المتبعة من قبل الاتحاد الأوروبي. وليس من المعروف ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيسمح باستمرار هذا الوضع (اتباع سياسة صيد مستقلة) في حالة ما إذا انضمت أيسلندا إليه؟ وكان "أولي رين"، مفوض توسيع عضوية الاتحاد الأوروبي، قد أعلن في أكتوبر الماضي أنه "يمكن البدء في المفاوضات المتعلقة بهذه المسألة خلال فترة وجيزة إذا ما تقدمت أيسلندا بطلب للعضوية". ومن المعروف أن أجراءات العضوية تأخذ وقتاً طويلا، ما يعني أنه سيكون أمام الطرفين وقت لاستكمال التفاوض حول هذه المسألة المهمة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كولين وودوارد كاتب أميركي متخصص في شؤون العلوم والتقنية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"