سرب مسؤولو "البنتاجون" خبراً مؤداه أن "مكتب الإدارة والميزانية" بوزارة الدفاع قد أمر بإجراء خفض بنسبة 10 في المئة على الإنفاق الدفاعي خلال السنة المالية القادمة، مما يعني أن الميزانية التي سيحصل عليها وزير الدفاع"روبرت جيتس"، ستكون أقل بدرجة كبيرة للغاية مما طلب. وفيما يلي خمسة أسباب تدعو الرئيس "أوباما" إلى الوقوف إلى جانب"جيتس" ضد المدققين والمراجعين الماليين في وزارة الدفاع. السبب الأول: إنه ليس هناك أي معنى مالي في تقليص ميزانية الدفاع في الوقت الذي يسعى فيه الجميع بلا كلل من أجل تحفيز الاقتصاد. ويكفي أن نعرف في هذا الصدد أن مقاولي الدفاع - حتى تحت الميزانية الحالية - يخططون لإغلاق خطوط إنتاجهم خلال العامين المقبلين، وهو ما سيؤدي إلى الاستغناء عن العاملين في تلك الخطوط.لذلك فإن الأفضل بالنسبة لإدارة أوباما، هو أن تقوم بزيادة الإنفاق الدفاعي بدلاً من تقليصه. السبب الثاني، إن الإعلان عن تخفيض الإنفاق الدفاعي هذا العام سيثبط من عزيمة الحلفاء، ويقوض الجهود الرامية لتأمين المزيد من التعاون مع الإدارة الأميركية الجديدة. وإذا أخذنا في اعتبارنا أن هناك إحساساً ينتاب الكثيرين في العالم بأن الولايات المتحدة تمر الآن بحالة من التدهور الذي سينتهي بها حتما إلى الأفول في نهاية المطاف، فإن الإعلان عن تخفيض الإنفاق الدفاعي بالنسبة المقترحة من مكتب الإدارة والميزانية في وزارة الدفاع سيُنظر إليه في العالم على أنه يمثل دليلًا على أن مرحلة الأفول الأميركي قد بدأت بالفعل. السبب الثالث، إن الأشياء التي تقلق الحلفاء تشجع وتعضد الأعداء المحتملين في الوقت نفسه. وليس هناك شك في أن إدارة أوباما كانت على حق عندما بادرت بالانفتاح على قادة إيران، بيد أن الاحتمالات التي كانت ضئيلة لنجاح هذه المقاربة سوف تغدو الآن أكثر ضآلة، إذا ما نظر هؤلاء القادة إلى تخفيض الإنفاق الدفاعي على أنه سيؤدي لا محالة إلى انسحاب أميركا من هذا الجزء من العالم. وكان المتحدث الرسمي باسم الرئيس الإيراني قد أعلن أن الولايات المتحدة فقدت قوتها- فقط لمجرد أن الرئيس أوباما أعلن رغبته في الحديث معهم. السبب الرابع، أن تقليص الميزانية الدفاعية ستكون له تداعيات على جوانب أخرى في الميزانية، لعل أهمها على الإطلاق ذلك المتعلق بميزانية السياسة الخارجية. وربما يكون من المفيد الإشارة هنا إلى أن بعض الساسة "الجمهوريين" قد بدأوا بالفعل في الاحتجاج على ميزانية المساعدات الخارجية، وإنه إذا ما بدأت إدارة أوباما في تقليص الإنفاق الدفاعي، فإن مسألة إقناع هؤلاء الساسة بدعم أجندة السياسة الخارجية الأميركية سيكون أكثر مشقة بكثير بالنسبة لإدارة أوباما. السبب الخامس والأخير، إن الجميع يعرفون أن القوات المسلحة الأميركية منتشرة على امتداد مساحة تفوق طاقتها، وأن البعض قد يأملون أن يكون أوباما قادراً على البدء في تقليص مستويات القوات في العراق هذا العام ، لكن يجب أن نأخذ في اعتبارنا أيضاً أن هذه السنة حرجة للغاية بالنسبة للعراق. فانتخابات مجالس المحافظات التي جرت في الأيام الأخيرة ليست سوى واحدة من ثلاثة استحقاقات انتخابية فالاستحقاق القادم هو ما يعرف بانتخابات"الأقضية والنواحي"، التي ستعقد في يونيو، ثم الانتخابات البرلمانية الفائقة الأهمية في ديسمبر. وليس من المتوقع أن يوصي الجنرال "ديفيد بيترايوس" بإجراء خفض كبير للقوات في العراق في وجود قدر كبير من المخاطر التي قد تبدو واضحة لنا إذا ما عرفنا أن تقليص عدد القوات الأميركية في العراق سيقابله زيادة في عدد القوات العاملة في أفغانستان، وأن تخفيف الضغط الواقع على القوات الأميركية البرية لن يكون محسوساً - على الرغم من تخفيض عدد هذه القوات في العراق - إلا قبل نهاية العام المقبل، وأنه ليس هناك ما يضمن أن الوضع في العراق سيستمر على هدوئه النسبي الحالي، أو أنه سيتم تحقيق تقدم في أفغانستان، أو أن باكستان لن تنفجر، وأنه لن تقع أحداث أخرى غير متوقعة تتطلب عملاً أميركياً. في وقت يتحدث فيه الناس عن حزمة إنقاذ تصل قيمتها إلى مئات بلايين الدولارات، فإن إجراء خفض في الإنفاق الدفاعي بنسبة 10 في المئة يعد شيئاً تافها، خصوصاً إذا أخذنا في اعتبارنا الثمن الباهظ الذي سنضطر إلى دفعه للمحافظة على وضع أميركا العالمي. في الوقت الراهن تنفق الولايات المتحدة 4 في المئة من ناتجها القومي الإجمالي على الدفاع. في حين وصلت هذه النسبة عام 1962، وإبان احتدام الحرب الفيتنامية، إلى9 في المئة. وبعض المعارضين الأقوياء للحرب الباردة في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي قد يرون في ثورة أوباما عودة لتلك الأيام الطيبة التي كانوا يحاربون فيها ضد التوسع في الإنفاق الدفاعي في عهد ريجان. ولكن تخفيض الإنفاق لم يكن من الأجندات التي خاض أوباما السباق الانتخابي من أجلها. فهو لم يعد بإجراء خفض في الإنفاق الدفاعي في أي وقت خلال تلك الحملة بل على العكس من ذلك دعا إلى زيادة أعداد قوات الجيش والمارينز. فهو يصر على أن القوات المسلحة الأميركية يجب أن تكون هي الأقوى والأفضل تجهيزا في العالم كما أنه حذر في خطابه الافتتاحي بأن الأمة الأميركية لا تزال في حالة حرب. وطالما أن الأمر كذلك، فإن الوقت الحالي ليس بالتأكيد هو الوقت المناسب للبدء في إضعاف تلك القوات.روبرت كاجان باحث رئيسي في "مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"